الوجود كله خلقه الله ولم يكن أحد
الآية السابقة تفيد تحكم إبليس وذريته في الضالين المشركين ، واستنكر الله ذلك التحكم في نفوس الناس بقوله تعالى:{ أتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا} .
والضمير يعود إلى إبليس وذريته الذين يضلونهم حتى جعلوهم يتخذون من الحجارة أوثانا يعبدونها ، ويجعلونهم يحسبون لها قوة ، أو تكون لها شفاعة ، أو تكون لها شركة بالله في خلقه ، حتى يجعلوها شريكة في العبادة ، نفى الله تعالى أن يكون لإبليس وذريته مشاورة أو مشاهدة في خلق السماوات والأرض وخلق الأنفس حتى يجعلوكم تشركون الأوثان في العبادة فهؤلاء مخلوقون ، فكيف يشتركون في إعطاء قوى ليست لهم ، فقال تعالى:
{ ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا 51} .
والإشهاد ، تمكينهم من الحضور ، فمعنى{ ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض} ، ما جعلتهم يشهدون ، ويشاورون في خلق السماوات والأرض حتى يدعوا لحجر أو شخص قوة في الإنسان ليكون شريكا في الألوهية للخالق الذي أنشأ وأبدع ودبر ، إن الله وحده هو الذي خلق فهو وحده المعبود ولا معبود سواه ،{ ولا خلق أنفسهم} ، أي أنهم مخلوقون فعندما خلقهم الله تعالى لم يكونوا شيئا مذكورا وكيف يشهد المخلوق خلق نفسه .
وهذا النص السامي يشير أولا:إلى وجوب الحذر من إغواء إبليس وذريته ، وبيان أنهم لا قوة لهم إلا بضعفكم ، ويشير ثانيا ، إلى أنه لا إرادة لهم في شيء في الوجود إلى ما تكسبه الأنفس الضالة ، ويؤكد ثالثا:إلى أن الله وحده خالق كل شيء .
وقوله تعالى:{ وما كنت متخذ المضلين عضدا} في التاء قراءتان الأولى:بالضم تكون تاء المتكلم ، والثانية:بالفتح للخطاب .
وعلى قراءة الضم يكون التخريج وما كان من شأني أنا الخلاق العليم أن أتخذ من المضلين عضدا أعتضد به أو أستعينه وأتخذه معاونا ، وكان المعنى إنّي لا أستعين في الخلق بأحد ، ومن المستحيل أن أتخذ معينا من المضلين ، ويكون المعنى رميهم بأنهم يضلون ولا يرشدون ، والله سبحانه لا يسعين بضال ولا مضل ولا مهتد .
وعلى قراءة الفتح يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ويكون المعنى وما كنت يا محمد من شأنك أن تتخذ من المضلين عضدا ونصرا فلا تطمع في نصرتهم ، ولا تحاول أن تستعين بمرضاتهم ، وتطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه .
وأظهر في موضع الإضمار فقال:{ وما كنت متخذ المضلين عضدا} على قراءة الضم ، لبيان وصفهم الحقيقي ، وهو الإضلال ، إذ إبليس وذريته للإغواء ، كما قال:{. . . لأغوينهم أجمعين 82} ( ص ) قال تعالى:{ قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير 22} ( سبأ ) ، وقال أيضا:{ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا 109} ( طه )