وقد كان الفعل الشديد ، والاستنكار شديدا ، وهو أيضا من التخالف بين العلم الحلال والحرام ، وعلم الحقيقة الغيبية ، وقد وصفه كما ذكرنا بأنه شيء نكر ، تنكره العقول وكل عرف إنساني ، وقد كان اللوم على الاستغراب أشد .
كان استغراب موسى شديدا ، وكان معه استنكار ووصف له بالنكر ، ولذلك كان التذكير بأنه لم يستطع صبرا بأسلوب قوي فيه لوم أشد ، فقال تعالى:
{ قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا 75} .
فقد زيد{ لك} عن اللوم السابق الخاص بخرق السفينة ، وهي تفيد مزيد اللوم ، إذ إنه يذكره بأن الخطاب كان له ، وفي ذلك فضل توكيد للوم ، لأنه لم يكن الخطاب لغيره ، بل كان له ابتداء ، والاستفهام للإنكار بمعنى إنكار الوقوع مع اللوم وتحقيق القول ، والمعنى لقد قلت لك إنك لن تستطيع معي صبرا ، وفيه تأكيد لعدم الاستطاعة بالجملة الاسمية و"إن"الدالة على التوكيد ، و"لن"المؤكدة للنفي ، وتنكير الصبر ، أي صبرا كان قليلا أو كثيرا .
لقد قال موسى لصاحبه في المرة الأولى:{ ولا ترهقني من أمري عسرا} ، أي لا ترهقني عسرا من أمري ، فتجعلني في عسر من صحبتك بل تغاض ، وسهل الصحبة وقربها ، أما في هذه المرة فقد أحس بشدته هو على العبد الصالح ، إذ قال إن ما فعلته نكر .