اعتراها ما اعترى كافلها زكريا من استيلاء الأسباب والمسببات العادية فكانت مستغربة ، وحكى الله تعالى عنها أنها قالت:
{ قالت أنّى يكون لي غلام ولم يسسني بشر ولم أك بغيا 20} .
{ أنّى} بمعنى كيف وهي للاستغراب لتأثرها بنظرية الأسباب التي كانت سائدة ، ولان هذا هو النظام الذي كانت تعرفه ويعرفه الناس ، وموضع الاستغراب أن يكون لها غلام ولم يكن أحد من الرجال قد مسها ، أي خالطها مخالطة جنسية بزواج شرعي ، أي أنها لم تزف إلى رجل في الحلال ، ولم تك بغيا أي امرأة مبغية مقصودة من الرجال ، بل كانت عفيفة نزيهة طاهرة ، وبغي:قال بعض الصرفيين:إنها على وزن ( فعول ) دخلها الإعلال بأن اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالتسكين فعلت وأدغمت الياء ، وعندي أنها على وزن ( فعيلة ) بمعنى مفعول ، ولم تلحقها التاء ، وذلك مثل قتيل وجريح ، والمرأة المتفحشة يقال لها بغي لأنها تُبتغى من الرجال ويطلبونها .
فنفت لذلك السيدة البتول بذلك الزواج ، وأن تكون قد زفت لبشر ، وأنها لم تكن تبتغي من الرجال ، وهذا موضع استبعادها مأسورة بحكم الأسباب العادية ، وقد سيطرت النظرية التي تفرض الأسباب والمسببات في كل الوجود .