خلف أولئك الأنبياء
{ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا 59} .
( الفاء ) للترتيب والتعقيب ، فهي تفيد أنه جاء عقب هؤلاء الأطهار من تنكبوا طريقهم ، وخرجوا عن منهاجهم ، وليس معنى ذلك أنه لم يكن فيهم من خالف المنهاج من أقوامهم ، بل كان كل نبي من هؤلاء الأنبياء من لقي مقاومة من قومه ، فمن قوم إدريس من قاومه ، وقالوا:{. . .وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي . . . 27} ( هود ) ، وهذا كان شأن كل المصطفين الأخيار من قووم في عصره ، فكيف يقال خلف هؤلاء مع أنهم كان أمثالهم في عصرهم ، ونقول:إن أولئك الأخلاف الذين خالفوا النبيين كانوا في أقوام من أتباعهم من حرفوا أقوال النبيين ، وحرفوا القول عن مواضعه كبني إسرائيل ، والذين حملوا إنجيل عيسى كان منهم من تخلف عن هدايته وتنكب عن سبيله .
وصف الله تعالى الأخلاف الذين انحرفوا بسبب هذا الانحراف ونتيجته ، فقال عز من قائل:{ فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات} ، وذكر أسباب انحرافهم فحصره في أمرين أو ذكر أن أكبر أسبابه أمران:
الأمر الأول:أنهم{ أضاعوا الصلاة} ، ومعنى إضاعة الصلاة إضاعة الدين ، لأنها عمود كل دين ، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، ( لا دين من غير صلاة ) ، فهي سمة الدين وشعاره ، ومعنى إضاعتها إهمالها ، أو الصلاة من غير إقامتها على وجهها ، أو الصلاة التي فقدت الخشوع والخضوع ، وهذا لبابها ، أو الإتيان بصلاة لا تنهى عن الفحشاء والمنكر ، بل تلابسها .
الأمر الثاني:هو إتباع الشهوات ، فإنه إذا سيطرت الشهوات على النفس ، وصارت سيدا مطاعا انحرف الاعتقاد تبعا لها ، وحينئذ يتخذون إلههم هواهم وكان معبودهم وسرى ذلك إلى كل أعمالهم .
وقد نبه سبحانه إلى النتيجة من ذلك فقال تعالى:{ فسوف يلقون غيا} ، الغي ضد الرشاد وهو الغواية ، وهي تنكب الطريق المستقيم ، وإن إتباع الشهوات وجعل الأهواء لها السلطان الأكمل سبيل الفساد والغواية ، وبها تنكب الرشاد ، وذلك أن الهدى والعقل نقيضان لا يجتمعان في قلب واحد ، فإذا كان سلطان الهوى ذهب العقل وقوله:{ فسوف يلقون} ( سوف ) هنا لتأكيد وقوع الفعل في المستقبل ، وقوله تعالى:{ يلقون} ، أي يجدون أمامهم وهو نتيجة طبيعية لترك الصلاة وإتباع الشهوات .