وأن الله تعالى الكريم يستثنى المتقين الأبرار ، ولذا قال تعالى:{ إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا 60} .
الاستثناء هنا منقطع ، وليس استثناء متصلا ، ف{ من تاب وآمن} لا يدخل في عموم من اتبعوا الشهوات وأضاعوا الصلاة ، ف{ إلا} بمعنى ( لكن ) ، وهي مقابلة بين المؤمن وغيره ، فالأول يتبع الشهوات ، والثاني مؤمن تواب إلى ربه راجع إليه طالب ، وقوله تعالى:{ إلا من تاب} يشمل من غوي منهم الأهواء والشهوات ورجع إلى ربه ، ومن لم يسيطر عليه هواه ابتداء واتبع سبيل الحق ، ويكون التعبير عنه ب{ تاب} إشارة إلى الإذعان الكامل ، لأن المؤمن التواب وصل إلى أعلى درجات الإيمان ، لأنه يستصغر أفعاله أمام الله ويحسب نفسه مقصرا فلا يدل بالطاعة ، بل يستشعر الخشية الدائمة ويغلب عليه الخوف ولا يغلب عليه رجاء الثواب ، لأنه يستنكر خطأه ، ويستقل طاعته .
{ فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا} ، الإشارة إلى التائبين الراجعين إلى الله تعالى ، والإشارة إلى الموصوفين بأوصاف تدل على أنه هذه الأوصاف سبب الحكم ، وهو أنهم{ يدخلون الجنة} التي هي جزاء المتقين ،{ ولا يظلمون شيئا} ، أي لا ينقصون أي شيء من النقص ، بل يأخذون جزاءهم جزاء وفاقا لما عملوا من طيبات ، ولتجردهم من شهوات الدنيا وخلاصهم من أهوائها المردية .