ولقد أكد الله البعث بالقسم برب الوجود مضافا إلى سيد الوجود ، فقال:
{ فوربك لنحشرهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا 68} .
أقسم بذاته العلية الكريمة مضافا إلى نبيه ، بيانا لإعزازه وإعلانه وتكريمه ، وكان القسم بالذات العلية بعنوان الربوبية الكالئة الحامية المتصلة بالإنسان ، وبأكرم إنسان وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك إشارة إلى أن البعث من الربوبية ، فهو كما أنشأكم وكلأكم ورباكم يبعثكم ، فهو لم يخلقكم عبثا ، و"الفاء"هنا للتعقيب على التوبيخ بتأكيد الأمر الذي قرره وقدره وأنكروه بل استنكروه ، و"اللام"في قوله تعالى:{ لنحشرنهم} لام القسم الواقعة في جوابه ، ولذا أكد بنون التوكيد الثقيلة ، و"الواو"واو المعية في قوله تعالى:{ والشياطين} ، أي أنهم يحشرون معهم ، وهم الذين أضلوهم ، وجعلوهم بالأوهام التي بُثّت فيهم يعبدون ثم ذكر تعالى ما يكون بعد الحشر وهو إحضارهم إلى جهنم ، فقال تعالى مقسما:{ ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا} ،{ ثم} عاطفة على جواب القسم{ لنحشرنهم} فهو سبحانه بعد أن يحشرهم مع شياطينهم الذين وسوسوا لهم بعبادة الأوثان يحضرون ، وإن ذلك وإن ذلك وإن كان خاصا بالكفرة ، لأنهم الذين أغواهم الشياطين وأضلوهم ، ولكن أضيفت إلى الجميع الأبرار والفجار ، لأن الحشر للجميع ، والجميع يرون جهنم كي تتلى الآيات من بعد .
والإحضار حول جهنم جاثمين على ركبهم ، ولذا قال تعالى:{ ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا} ، والجثى جمع جاث ، وهم الجالسون على ركبهم ، فقال تعالى:{ وترى كل أمة جاثية . . .28} 'الجاثية"، وذلك يكون في أحوال تناقلات القول ، وذلك من تجاثى أهلها على ركبهم ، وذلك يكون في حال الاستفزاز والقلق ، وكأنهم لهول ما يرون يتجاثون على ركبهم فزعين قد أصابهم الهلع ، ويكونون حول جهنم مترقبين ما يكون من أمرهم في جزع .
والعطف ب{ ثمّ} يقتضى فاصلا بأمد ليس قصيرا بين الحشر والإحضار ، وذلك الأمد يكون فيه الحساب ويكون ما يقرره الله لأهل البر ، وما يقرره للفجار ، فكل يحضر حول جهنم ثم يكون الأبرار بعد ذلك للجنة إذ يرون ما آل إليه أمر الكفار ، كما سنتلو قوله تعالى:{ وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا 71} .