الفاء تفريع على جملة{ أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل}[ مريم: 67] ،باعتبار ما تضمنته من التهديد .وواو القسم لتحقيق الوعيد .والقسم بالرب مضافاً إلى ضمير المخاطب وهو النبي صلى الله عليه وسلم إدماج لتشريف قدره .
وضمير{ لنحشرنهم} عائد إلى{ الإنسان}[ مريم: 66] المراد به الجنس المفيد للاستغراق العرفي كما تقدم ،أي لنحشرن المشركين .
وعطف ( الشياطين ) على ضمير المشركين لقصد تحقيرهم بأنهم يحشرون مع أحقر جنس وأفسده ،وللإشارة إلى أن الشياطين هم سبب ضلالهم الموجب لهم هذه الحالة ،فحشرهم مع الشياطين إنذار لهم بأن مصيرهم هو مصير الشياطين وهو محقق عندالناس كلهم .فلذلك عطف عليه جملة{ ثم لنُحضِرنّهم حول جهنّم جثيّاً} ،والضميرُ للجميع .وهذا إعداد آخر للتقريب من العذاب فهو إنذار على إنذار وتدرج في إلقاء الرّعب في قلوبهم .فحرف{ ثم للترتيب الرتبي لا للمهلة إذ ليست المهلة مقصودة وإنما المقصود أنهم ينقلون من حالة عذاب إلى أشد .
و{ جثيّاً} حال من ضمير{ لنحضرنهم} ،والجُثيّ: جمع جَاثثٍ .ووزنه فُعول مثل: قاعد وقُعود وجالس وجُلوس ،وهو وزن سماعيّ في جمع فاعل .وتقدّم نظيره{ خروا سجداً وبكياً}[ مريم: 58] ،فأصل جُثي جُثُور بواوَين لأن فعله واوي ،يقال: جثا يَجثو إذا بَرك على ركبتيه وهي هيئة الخاضع الذليل ،فلمّا اجتمع في جثووٌ واوان استثقلا بعد ضمّة الثاء فصير إلى تخفيفه بإزالة سبب الثقل السابق وهو الضمة فعوضت بكسر الثاء ،فلمّا كسرت الثاء تعين قلب الواو الموالية لها ياءً للمناسبة فاجتمع الواو والياء وسبق أحدهما بالسكون فقلبت الواو الأخرى ياء وأدغمتا فصار جثي .
وقرى حمزة ،والكسائي ،وحفص ،وخلف بكسر الجيم وهو كسر إتباع لحركة الثاء .
وهذا الجثو هو غير جثوّ الناس في الحشر المحكيّ بقوله تعالى:{ وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها}[ الجاثية: 28] فإن ذلك جثوّ خضوع لله ،وهذا الجثوّ حول جهنّم جثوّ مذلّة .