وإن الناس جميعا يرون النار ، ليعرف الأبرار مقدار إكرام الله تعالى إذا دخلوا ، فيرون الفرق بين الجنة والنار ، وبين النعيم المقيم وعذاب الجحيم ، ولذا قال تعالى:
{ وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا 71} .
( إن ) هنا نافية ، والمعنى ما منكم إلا واردها ، وقد التفت سبحانه وتعالى من الغيبة إلى الخطاب ، لمواجهة عباده بما قرر لهم وما قدره سبحانه وتعالى عليهم ، والورود ليس معناه الدخول ، بل إن المؤمن يَرِدُها ولا يُلقى ولا يُعذب فيها ، وبذلك يوفق بين قوله تعالى:{ وإن منكم إلا واردها} ، وقوله تعالى بالنسبة للمؤمنين:{. . .أولئك عنها مبعدون 101} ( الأنبياء ) ، أي مبعدون من عذابها ولا يلقون فيها ولا يدخلونها ، وروى أن المؤمنين يوردون عليها وهي ضاورة{[1478]} ، أي خامدة بالنسبة إليهم لا تمسهم ولا يلقون عذابها .
{ كان على ربك حتما مقضيا} ،{ كان} ذلك الورود{ على ربك} الذي خلفك ورباك{ حتما} ، أي لازما ،{ مقضيا} ، أي قضاه الله تعالى وكتبه على نفسه ، كما قال تعالى:{. . .كتب ربكم على نفسه الرحمة . . .54} ( الأنعام ) ، وإن هذا الكلام لتأكيد الوقوع ، وإنه سبحانه وتعالى قد كتبه على ذاته العلية ، ولا إلزام عليه من أحد ولا يصح أن يستدل به الذين يقولون بوجوب الصلاح أو الأصلح ، فإن هذا ليس من ذلك الباب في شيء ، إنما لتأكيد الوقوع والقضاء منه ، وهو الذي يقضي ويقدر وهو العزيز الحكيم .