{ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا 73} .
هذه أحوالهم في الآخرة ، ولكنهم عنها عمون ، فقد حسبوا أن الآخرة – إن كانت في زعمهم – ستكون لهم كما أن الدنيا تكون لهم ، ولذا كانوا يستمرئون عنهم ، ولذا قال الله عنهم{ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما ، وأحسن نديا 73} .
{ وإذا تتلى عليهم آياتنا} ، أي يتلى عليهم القرآن المنزل من الله تعالى ، أي تقرأ آياته مرتلة واضحة بينة في ألفاظها وعباراتها المعجزة ومعانيها الواضحة الزاجرة الواعظة المبشرة المنذرة – أعرضوا عنها واستهزءوا بقراءتها وبالمؤمنين ، وقالوا للذين آمنوا في شأنهم ساخرين منهم مستهزئين بهم ومستهينين بأمرهم:{ أي الفريقين} المؤمن والكافر ، والبر والفاجر{ خير مقاما} ومنزلة{ وأحسن نديا} ، أي منتدى يجتمعون فيه ويسمرون ، فهذا للأقوياء الكبراء ذوو المال والجاه والسطوة ، وذلك للضعفاء والأرقاء المتسذرلين . ومؤدى القول أن المؤمنين ضعفاء مسترذلون في ذات أنفسهم ومكانهم في هذه ، والذين يخالفونهم في منتدى طيب ومال وفير وعزة في النفر ، وإذا كانوا كذلك فلا بد أن يكون بعد ذلك كذلك إن كان بعث ونشور ، ولا يظنونه ، وهذا كقول قوم نوح له:{. . .وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي . . .27} ( هود ) ولقد قال في شأن الكافرين:{ وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه . . .11} ( الأحقاف ) ، فهم يتخذون من أن الذين آمنوا ضعفاء دليلا على البطلان ، وذلك لغرورهم وضلالهم ، وتلك فتنة وقعوا فيها ، وذلك أنهم يحكمون على الأمر بأنه باطل لضعف أتباعهم ، وبأنهم على حق بقوتهم ، وتلك فتنة لهم ، ولذلك قال تعالى:{ وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين 53} ( الأنعام ) .