إن الإيمان الجامع بالنبيين أجمعين لا يفرق بين أحد من رسله ، لأنهم جميعا يحملون رسالات ربهم إلى عباده وهي واحدة ، إن هذا الإيمان هو دين الله تعالى:وهو ملة إبراهيم وهي الشارة الوحيدة للدين الحق ، ولذا قال تعالى:{ صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون} .
الصبغة هي الملة التي اختارها الله تعالى ، وهي ملة إبراهيم ، وهي دين الله الحق الذي اصطفاه واختاره وصح أن يكون دينه .
والصبغة في الأصل ما يصبغ منه ، ويتشربه الثوب حتى يصير لونا غير قابل للتغيير ، بيد أن هذه الصبغة في القلب يتشربها فتكون لونا ثابتا مستقرا دائما بالإيمان والإذعان ، يخالط مداركه ، ويتشربها قلب المؤمن كما يتشرب الثوب صبغته ، لأنه مفطور على الإيمان في فطرته ، إلى أن يتدرن بالأهواء والشهوات فتطمس الفطرة ، ولقد قال تعالى:{ فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون 30} [ الروم] .
ولقد قال صلى الله عليه وسلم:( كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ، كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء ){[112]} .
وصبغة هنا منصوبة على الإغراء لفعل محذوف تقديره الزم صبغة الله ، فإنها إيمان القلوب ، وزينة النفوس للمؤمنين ، كما يتزين الجسم بزينة الثياب الملونة بأبهى الصباغ .
وإن التعبير عن الدين بأنه صبغة الله إشارة لما يفعله اليهود والنصارى من صبغ أولادهم باليهودية أو النصرانية بما يغمسونهم فيه بماء يسمى المعمودية .
فإذا كان هؤلاء يعملون تلك الأعمال حاسبين أنها تصبغهم بدينهم غير الحق الذي ارتضوا ، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يجعل القلوب تتشرب حب الدين الحق ، فلا تتحول ولا تتغير ولا تتبدل .
ولقد بين سبحانه وتعالى أن صبغة الإيمان الجامع الذي اختاره الله تعالى دينا للعالمين هي أحسن صبغة وأبهاها حسا ومعنى ، وطهارة ، ولذا قال تعالى:{ ومن أحسن من الله صبغة} أي لا صبغة أفضل من صبغة الله تعالى ، لأنها الحق والحق وحده زينة القلوب . وغيرها الباطل ، وهو طمس للفطرة وفرق بين زين القلب وحسن الإيمان ، والإشراق بنوره ، وطمس النور منه وامتلائه بالظلمات .
وقد قال تعالى:{ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب . . . 37} [ ق] من شأنه الإذعان للحق ، والتمسك به ، وقال هنا:{ ونحن له عابدون} فالقلوب قسمان:قلوب على الفطرة يدخلها الإيمان فيشرق فيها ، وقلوب طمست عليها الأهواء وسيطرت عليها وأخفت منابع الهداية فهي في عمياء عن الهدى ، غلقت فلا تدخلها هداية .
وإنما يدرك جمال صبغة الله تعالى ، وتزيينها للقلب والنفوس الذين يوقنون بالحق ، ومن شاء الإيمان به إذا قامت دلائله ، وبدرت محاسنه ، ولذا قال تعالى:{ ونحن له عابدون} خاضعون له لا لسواه ، ولذا قدم "له"على "عابدون"إذ التقديم للاختصاص فلا نعبد سواه ولا نؤمن بغيره .