قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون 139
كان اليهود والنصارى يدعون أن ما عندهم هو دين الله تعالى ، وأنهم أعلم الناس بالله ، وأنهم أبناء الله وأحباؤه ، وحسبوا أنهم أقرب إلى الله تعالى لأنهم ليسوا وثنيين ولم يشركوا به أحدا ، والوثنيون ليسوا كذلك ، وبذلك يحاجون النبي في أنهم أقرب إلى الله ، وأنه أقرب إليهم ، وأنهم أولى به ، فأمر الله تعالى نبيه بأن يبين لهم أن الله ربنا وربكم ، وأن القربى إليه بالعمل ، فلنا أعمالنا ولكم أعمالكم فقال تعالى:{ قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم} كان الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم ، وليتولى الحجاج معهم إعلاء لكلمة الله تعالى لمن يتولى المحاجة والمجادلة ، والله أجل وأعلى من ذلك فترك للنبي صلى الله عليه وسلم أمر هذه المحاجة . والاستفهام هنا للتوبيخ ، أي ما كان لكم أن تحاجونا في الله تعالى بادعاء القرب ، وأنكم أولى به وبمحبته ومعرفته ، فالمحاجة في الله تعالى لا في أصل وجوده ، ولا في أصل وحدانيته لقوله تعالى:{ ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال 13} [ الرعد] . ففي هذا النص كان الجدال في الله تعالى ، من حيث وجوده ، وأنه الفاعل المختار .
أما هنا في هذا النص الذي نتكلم في معانيه ، فالمحاجة في الله تعالى من جهة القرب منه ، والمنزلة عنده لا محاجة أصل وجوده ، والمحاجة من جانب اليهود والنصارى بادعائهم على الله سبحانه وتعالى بأن دينهم هو الذي ارتضاه وأنهم أقرب إلى الله ، وأنهم أحبابه ، وأنهم أبناؤه ، إلى غير ذلك من الأوهام التي يثيرونها حول الله تعالى .
وهم يثيرون قولهم على اعتقاد أن النبي يحاجهم كما يحاجونه ، ولذلك كانت صيغة المفاعلة .
وقد أمر الله تعالى نبيه ، بأن يبين لهم أنه لا حاجة إلى المحاجة ، ولذا أمره تعالى بأن يقول:{ وهو ربنا وربكم} فصلتنا بالله واحدة ، وهو أنه ربنا جميعا ، وقد بين المماثلة في الصلة بالله تعالى لصلة الربوبية ، وهي متحدة في معنى الربوبية ، ولا تفاوت بيننا في هذا ، فلستم أقرب إليه ، ولا نحن أقرب من هذه الناحية ، ونبههم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر ربه بأن التفاوت إنما هو بالأعمال ، ولذلك أمره تعالى بأن يقول لهم:{ ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم} فأعمالنا بما فيها من خير ونفع تتحمل في ذاتها استحقاق جزائها ، ولكم أعمالكم ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، وأن القرب إلى الله تعالى أو البعد إنما هو بحسب الأعمال ، فهي التي تقرب ، وهي التي تبعد وهي التي يكون عليها الجزاء .
وقد وصف الله آمرا نبيه بقوله:{ ونحن له مخلصون} أي نحن قد أخلصنا بقلوبنا في عبادة الله تعالى فلا نشرك في العبادة سواه ، ولا نعكر إخلاصنا لله تعالى بسبب من أسباب الدنيا ، فنحن صرنا لله نحب الشيء لا نحبه إلا لله ، وهذا تحريض لليهود وغيرهم على أن يكونوا مثلهم ، فإن كانوا مثلهم التقوا على الإيمان الجامع غير المفرق .
والإخلاص كما قلنا تصفية النفس من أن يكون فيها غير الله تعالى ، وتصفية الفعل من أن تكون لغير الله فيه شائبة ، ولقد قال بعض الصوفية:الإخلاص سر بين العبد وبين الله لا يعلمه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده . وفي الجملة الإخلاص حصن العبادة الحصين .