وإن المشركين الذين يتبعون خطوات الشيطان في عقيدتهم ، ويتبعونه فيما يحلون وما يحرمون ، ويقولون نتبع ما ألفينا عليه آباءنا ، ويقولون إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون بسبب ما أركسوا أنفسهم فيه قد صموا أنفسهم عن سماع الحق ، ولذا قال سبحانه في حالهم:{ ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء} .
وقد تكلم المفسرون في هذا التمثيل البليغ ، فقال بعضهم:إن ذلك التمثيل هو تمثيل لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم والذين كفروا كمثل الراعي الذي يرعى غنمه ، فينعق:أي فيصيح بالغنم التي لا تسمع إلا دعاء ونداء زاجرا لينتقل بهم من كلأ إلى كلأ ، ولكن هذا التشبيه لا يليق بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنها لا تسمى بهذا الاسم وهو النعيق .
وقال بعضهم:إن ذلك تشبيه للذين كفروا في دعوتهم إلى أصنامهم التي لا تملك نفعا ولا ضرا ، كمثل الراعي الذي ينادي غنما لا تسمع إلا دعاء ونداء ما يزجره في الانتقال من كلأ إلى كلأ ، وهذا تشبيه حسن في ذاته ، ولكن القرآن نسق واحد في البيان تأخذ كلماته بعضها بحجز بعض ، وربما لا يتقارب هذا التفسير مع قوله بعد ذلك{ صم بكم عمي} لأن هذه أوصاف للكافرين وليست أوصافا للغنم .
بقي التخريج الثالث للمثل وهو بأن يشبه الذين كفروا وما معهم من غنم يرعونها ، يشبهون بالبهائم التي تنعق بأن تصيح بما لا يسمع إلا دعاء إن كانوا في كرب ، ونداء إن كانوا بعيدا .
والكافرون مع غنمهم مثلهم كناعق ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ، فأصوات الغنم تتبادل بنعيق لا يفهم ، وبصياح مجاوب للنداء ، فالجميع يتصايح بالنعيق ، والجميع لا يفهم إلا دعاء ونداء .
ولذا صح أن يوصف المشركون بالأوصاف التي ذكرها الله عنهم ، فقال{ صم بكم عمي فهم لا يعقلون} أي أنهم في عدم سماعهم للحق الذي دعوا إليه كالصم الذين لا يسمعون ، وهو تشبيه حالهم المعنوية في عدم سماعهم لدعوة الحق إذا نادى المنادي بحال الصم الذي لا يسمع شيئا ، وفي عدم نطقهم بالحق واستجابتهم له بحال الأبكم الذي لا يتكلم . شبه عدم إدراكهم الحق الذي بدت معالمه ، وظهر نوره بحال الأعمى الذي لا يبصر{ فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور 46} [ الحج] .
وقد ختم سبحانه وتعالى الآية بقوله تعالى:{ لا يعقلون} ما يدعون إليه ، ويتفكرون فيه ويبدون وكأنهم لم يسمعوه ، ولا يفكرون في الاستجابة بالإذعان والتسليم ولا يستضيئون بنوره .
فتح الله قلوبنا للحق إذ نسمع داعيه ، ورطب ألسنتنا بالحق لنجيب نداءه ، وأنار بصرنا وبصيرتنا لنراه إنه سميع الدعاء .