قوله تعالى:[ و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين] فيه مسألتان:
الأولى:قوله تعالى:[ و قاتلوهم] أمر بالقتال لكل مشرك في كل موضع ، على من رآها ناسخة ، ومن رآها غير ناسخة قال:المعنى قاتلوا هؤلاء الذين قال الله فيهم:[ فإن قاتلوكم] والأول أظهر ، وهو أمر بقتال مطلق ، لا بشرط أن يبدأ الكافر . دليل ذلك قوله تعالى:[ و يكون الدين لله] . وقال صلى الله عليه وسلم:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله "{[206]} . فدلت الآية والحديث على أن سبب القتال هوا لكفر لأنه قال:[ حتى لا تكون فتنة] أي كفر ، فجعل الغاية عدم الكفر ، وهذا ظاهر . قال ابن عباس وقتادة والربيع والسدي وغيرهم:الفتنة هنا الشرك ، وما تابعه من أذى المؤمنين . وأصل الفتنة:الاختبار والامتحان ، مأخوذ من فتنت الفضة إذا أدخلتها في النار لتميز رديئها من جيدها . وسيأتي بيان محاملها إن شاء الله تعالى .
الثانية:قوله تعالى:[ فإن انتهوا] أي عن الكفر ، إما بالإسلام كما تقدم في الآية قبل ، أو بأداء الجزية في حق أهل الكتاب ، على ما يأتي بيانه في "براءة "وإلا قوتلوا وهم ظالمون لا عدوان إلا عليهم . وسمي ما يصنع بالظالمين عدوانا من حيث هو جزاء عدوان ، إذ الظلم يتضمن العدوان ، فسمي جزاء العدوان عدوانا ، كقوله:[ و جزاء سيئة سيئة مثلها . . .40] ( الشورى ) . والظالمون هم على أحد التأويلين:من بدأ بقتال ، وعلى التأويلالآخر:من بقي على كفر وفتنة{[207]} .