ثم أمر تعالى بقتال الكفار:( حتى لا تكون فتنة ) أي:شرك . قاله ابن عباس ، وأبو العالية ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة ، والربيع ، ومقاتل بن حيان ، والسدي ، وزيد بن أسلم .
( ويكون الدين لله ) أي:يكون دين الله هو الظاهر [ العالي] على سائر الأديان ، كما ثبت في الصحيحين:عن أبي موسى الأشعري ، قال:سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياء ، أي ذلك في سبيل الله ؟ فقال:"من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ". وفي الصحيحين:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا:لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله "وقوله:( فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ) يقول:فإن انتهوا عما هم فيه من الشرك ، وقتال المؤمنين ، فكفوا عنهم ، فإن من قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم ، ولا عدوان إلا على الظالمين ، وهذا معنى قول مجاهد:لا يقاتل إلا من قاتل . أو يكون تقديره ; فإن انتهوا فقد تخلصوا من الظلم ، وهو الشرك . فلا عدوان عليهم بعد ذلك ، والمراد بالعدوان هاهنا المعاقبة والمقاتلة ، كقوله:( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) وقوله:( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) [ الشورى:40] ، ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) [ النحل:126] . ولهذا قال عكرمة وقتادة:الظالم:الذي أبى أن يقول:لا إله إلا الله .
وقال البخاري:قوله:( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة [ ويكون الدين لله] ) الآية:حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال:أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا:إن الناس صنعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج ؟ قال:يمنعني أن الله حرم دم أخي . قالا:ألم يقل الله:( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) ؟ قال:قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله ، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله . زاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال:أخبرني فلان وحيوة بن شريح ، عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه ، عن نافع:أن رجلا أتى ابن عمر فقال [ له]:يا أبا عبد الرحمن ، ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما ، وتترك الجهاد في سبيل الله ، وقد علمت ما رغب الله فيه ؟ فقال:يا ابن أخي ، بني الإسلام على خمس:الإيمان بالله ورسوله ، والصلوات الخمس ، وصيام رمضان ، وأداء الزكاة ، وحج البيت . قال:يا أبا عبد الرحمن ، ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه:( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) [ الحجرات:9] ، ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ) قال:فعلنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلا وكان الرجل يفتن في دينه:إما قتلوه أو عذبوه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة ، قال:فما قولك في علي وعثمان ؟ قال:أما عثمان فكان الله عفا عنه ، وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه ، وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه ، وأشار بيده فقال:هذا بيته حيث ترون .