[ يمحق الله الربا ويربي الصدقات] المحق:النقص والذهاب ، ومنه محاق القمر:أي انتقاصه في الرؤية شيئا فشيئا حتى لا يرى ، فكأنه زال وذهب ، والله سبحانه وتعالى يمحق الربا في الدنيا والآخرة ، ففي الآخرة عقاب أليم ، وعذاب مقيم ، وفي الدنيا ينقص ماله ، كما قال صلى الله عليه وسلم:"إن الربا وإن كثر فعاقبته إلى قل "{[431]} أو تمحى من المال البركة ، بحيث لا يمكن الانتفاع به ، إما لهم دائم وقلق مستمر ، وإما لمرض يصيبه فيكون المال الكثير مع عدم القدرة على الانتفاع به ، كمن عنده طعام شهي ولا يستطيع أن يتناوله ؛ لأنه يكون وبالا عليه ، وإما لمقت الناس له ، فيفقد تعاونهم ، وفي ذلك شر عليه ، والربوي لا يمكن أن يخلو في الدنيا من واحد من هذه الأمور ، فكان الربا ممحوقا دائما .
هذه نتيجة الربا ، أما الصدقات فإن الله يربيها وينميها ، إما بالكسب الوفير ، وإما بفضل التعاون وبالهدوء والاطمئنان ، ثم بالنعيم المقيم يوم القيامة ، كما قال عليه الصلاة والسلام:"إن صدقة أحدكم لتقع في يد الله فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ، حتى يجيء يوم القيامة ، وإن اللقمة لعلى قدر أحد "{[432]} .
و الصدقة ليس المراد منها مجرد العطاء ، بل تشمل كل نفع عام أو خاص لا يقصد به المؤمن المنفعة الشخصية التي تنبع من الهوى ، وعلى ذلك يكون القرض الحسن الذي يقصد به التعاون على الاستغلال من الصدقة أيضا ، وهو من خير الصدقات أيضا ، وهو من خير الصدقات التي يربيها الله في الدنيا والآخرة .
[ والله لا يحب كل كفار أثيم] هذا تهديد لمن استحلوا الربا ، أو ارتكبوه ، وقد ذكروا في ذلك الكلام العام للإشارة إلى أن المرابين يسترون الحق ، ويعوقون عن الخير ، إذ معنى "كفار"من كفر بمعنى ستر وأخفى وجحد ، فهي صيغة مبالغة لكافر ، ومعنى أثيم معوق مبطئ عن الخير{[433]} ، فالذين يرابون ويأكلون أموال الناس بالباطل يدخلون في عموم قوله تعالى:[ كل كفار أثيم] وقد جمع سبحانه وتعالى بين الوصفين للإشارة إلى أن إيمان المرابين ناقص إن لم يستحلوه ، وهم كفار إن استحلوه؛ وهم في الحالين آثمون معاقبون ، ولكل حال مقدارها من الإثم ، فليس إثم من جحد بآيات الله كإثم من نقص إيمانه بترك العمل بها ، فذلك كافر ، وهذا فاسق ، وفرق ما بين الأمرين عظيم . ويصح أن نقول:إن الكافر هو الكفار بنعمة الله والمتمادي في كفرانها ، بأن يتخذ ما أنعم الله به عليه من نعم كالمال ، في الإيذاء لا في النفع ، فيأكل أموال الناس بالباطل بسبب ما أعطاه الله من مال ، وإن ذلك توجيه حسن ، وهو في هذا المقام مناسب .
و نفى حب الله تعالى بحرمان الآثمين من رضاه ؛ إذ إن محبة الله تعالى شأن من شئونه ، ومن مظهره الرضا ، ومن حرم من رضا الله فقد حرم خير الدنيا والآخرة ، وإلى الله عاقبة الأمور .