كيفية محق الله الربا وإربائه الصدقات
{يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِى الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} .المحق هو النقص ،والربا هو الزيادة ،فكيف نفهم هذا النقص هنا ،والزيادة هناك ؟هل هي في ما ينتجه الربا من نتائج سلبية في الدنيا ،بحيث يجعلها الله ضدّ مصلحة المرابي في ما يأمله ويريده من زيادة ماله ،وذلك من خلال النتائج الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يؤدي إليها الربا في نهاية المطاف بما يثيره من أحقاد وأضغان وثورات تدمر كل ما بناه المرابون وتقضي على كل ما جمعوه ،أمّا الصدقة فإنها تنتهي إلى الزيادة في مال المتصدق على أساس ما تثيره الصدقة من محبة وحب وخير وأجواء تهيّىء للنمو والازدهار ؟
أو هي في ما يواجه به الله المرابين من العذاب والعقاب في الآخرة بحيث يشعرون معه بأن كل ما حصلوا عليه في الدنيا يتحول إلى هباء ،لأنهم لم يجنوا من ذلك إلا الخسران الأبدي في الآخرة ،بينما يحصل المتصدق على النتائج الطيّبة للصدقة من الثواب الذي يتضاعف إلى عشر أمثالها ؟
أو هناك وجوه أُخر تستوحي الحكم الشرعي الذي لا يعترف بشرعية الربا ما يجعله رجساً محرماً ،تماماً كما هو الغاصب في تصرفاته ،بينما الصدقة تنمي المال وتزكيه وتثبته على ملك صاحبه ؟
إننا نستقرب الوجه الثاني ،وذلك بشهادة بعض الأحاديث: «إن الرجل يتصدق أو المرأة تتصدق بالتمرة أو بشق تمرة فأربيها له كما يربي الرجل فلوه وفصيله فيلقاني يوم القيامة وهي مثل جبل أُحُد » .وقد لا يكون من البعيد أن تحمل الآية على النتائج في الدنيا والآخرة ،وذلك من خلال انطلاق الحكم الشرعي من المفاسد الكامنة في موضوعه إن كان تحريماً ،ومن المصالح الموجودة في داخله إن كان وجوباً ،وانتهائه إلى العذاب على مخالفته والثواب على موافقته في الآخرة .
وفي ضوء ذلك ،قد يكون للربا أثره الماحق على حركة المجتمعات والأفراد من خلال النتائج السلبية الأخلاقية في تأثيرها على العلاقات العامة بين الناس ،فإن قيم المحبة والرحمة والخير والعطاء تنتج التقارب والتعاون والتواصل والانفتاح العقلي والروحي والعملي على المصالح المشتركة ،ما يؤدي إلى تنمية الأموال والطاقات والأوضاع للمجتمع الذي يتحرك أفراده بهذه الطريقة ،أو للأفراد الذين يعيشون في هذا الاتجاه ،أما قيم الحقد والقسوة والشر والبخل ،فإنها تنتج التباعد والتقاطع والانغلاق الروحي ،ما يجعل كل شخص بعيداً عن الآخر ،أو يؤدي إلى التعقيد الذاتي والعملي بما يسبّبه من الضرر للأفراد وللمجتمعات على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والأمني والسياسي ،وهذا ما نراه من ثبات الأنظمة والمجتمعات القائمة على قيم العدالة والحق والخير ،واهتزاز الدول والجماعات المرتكزة على قيم الظلم والباطل والشر ،الأمر الذي يجعل الدولة تزول والمجتمع ينهار ،والأفراد ينكمشون .
وهذا ما لاحظناه من الاهتزازات التي تحصل للنظام الربوي في المدى البعيد من خلال التراكمات النفسية والاجتماعية والاقتصادية ،وهذا ما يفسّر لنا محق الربا للإنسان في الدنيا ،لأنه يمحق ثروته وربما يهلك وجوده في نهاية المطاف ،بينما تنطلق الصدقات لتؤسس له القوّة والامتداد والنتائج الإيجابية .هذا في الدنيا ،أما في الآخرة ،فإن الحكم الإلهي العادل الذي يواجه الإنسان العاصي بالعقاب والمطيع بالثواب هو الذي ينتظر المرابين والمتصدقين .
أما قوله تعالى:{وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} فالظاهر أنه جار مجرى كثير من الآيات القرآنية التي تتحدث عن الانحراف عن الخط العملي للإيمان بصفة الكفر ،باعتبار أنه من نتائجه الطبيعية ،لأن قيمة الإيمان هي بالعمل ،فإذا ابتعد عنه صار والكفر سواء من الناحية العملية .والله العالم .