/م275
ثم بين الله تعالى الفرق بين الربا والصدقة ، إذ جاء الكلام عنه بعد الكلام عنها ببيان أثرهما فقال:
{ يمحق الله الربا ويربي الصدقات} فسروا محق الله الربا بإذهاب بركته وإهلاك المال الذي يدخل فيه .وقد اشتهر هذا حتى عرفه العامة .فهم يذكرون دائما ما يحفظون من أخبار آكلي الربا الذين ذهبت أموالهم وخربت بيوتهم .وفي حديث ابن مسعود عند أحمد وابن ماجة والحاكم وأخرجه ابن جرير في التفسير"إن الربا وإن كثر فعاقبته تصير إلى قل "{[272]} وقال الضحاك إن هذا المحق في الآخرة ، بأن يبطل ما يكون منه مما يتوقع نفعه ، فلا يبقى لأهله منه شيء .
وقال الأستاذ الإمام:ليس المراد بهذا المحق محق الزيادة في المال فإن هذا مكابرة للمشاهدة والأخبار ، وإنما المراد ما يلاقي المرابي من عداوة الناس وما يصاب به في نفسه من الوساوس وغيرها .أما عداوة الناس فمن حيث هو عدو المحتاجين وبغيض المعوزين ، وقد تفضي العداوة والبغضاء إلى مفاسد ومضرات ، واعتداء على الأموال والأنفس والثمرات ، وقد ظهر أثر ذلك في الأمم التي فشا فيها الربا إذ قام الفقراء فيها يعادون الأغنياء ويتألب العمال عليهم حتى صارت هذه المسألة أعقد المسائل عندهم .وأما ما يصاب به في نفسه من الوساوس والأوهام فهو لا يعرفه إلا من راقب هؤلاء العابدين للمال وبلا أخبارهم .ولا أذكر عنه مثالا على ذلك وما الأمثال فيه بقليلة .فمنهم من يشغله المال عن طعامه وشرابه وعن أهله وولده حتى يقصر في حق نفسه وحقوقهم تقصيرا يفضي إلى الخسر أو المهانة والذل ، ومنهم من يركب لذلك الصعب ويقتحم الخطر حتى يكون من الهالكين .
وأقول:المحق في اللغة محو الشيء والذهاب به كمحاق القمر وكل ما لا يحسن المرء عمله محقه كما في الأساس ، فلعل المراد بمحق الربا ما يطلب الناس بزيادة المال من اللذة وبسطة العيش والجاه والمكانة وزيادة الربا تذهب بذلك لاشتغال المرابي غالبا عن اللذة وخفض المعيشة بولهه في ماله ولمقت الناس إياه وكراهتهم له كما علم مما تقدم فهو لم يحسن التصرف في التوصل إلى ثمرة المال .وأما إرباء الصدقات فهو زيادة فائدتها وثمرتها في الدنيا وأجرها في الآخرة كما تقدم في تفسير آيات الصدقة ومضاعفة الله إياها"فمعنى "يمحق الله الربا ويربي الصدقات ، أن سنته قضت في عابد المال الذي لا يرحم معوزا ولا ينظر معسرا إلا بمال يأخذه ربا بدون مقابل ، أن يكون محروما من الثمرة الشريفة للثروة وهي كون صاحبها ناعما عزيزا شريفا عند الناس ، لكونه مصدرا لخيرهم والتفضل عليهم وإعانتهم على زمنهم ، كما يكون محروما في الآخرة من ثواب المال .فهو في عدم انتفاعه بماله هذا الضرب من الانتفاع كمن محق ماله وهلك .وقضت سنته في المتصدق أن يكون لانتفاعه بماله أكبر من ماله ( وقد تقدم شرح ذلك فلا نعيده ) وفي حديث أبي هريرة عند الشيخين أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من تصدق بعدل ثمرة من كسب طيبولا يقبل الله إلا طيبافإن الله تعالى يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما بربي أحدكم فلوه ، حتى تكون مثل الجبل "{[273]} والحديث من باب التمثيل كما هو ظاهر .
قال تعالى:{ والله لا يحب كل كفار أثيم} قالوا لا يحب لا يرضى ، والكفار المستحل للربا ، والأثيم المقيم على الإثم .وأقول:إن حب الله للعبد شأن من شؤونه يعرف باستعمال العبد إتمام حكم الله في صلاح عباده ونفى هذا الحب يعرف بضد ذلك .والكفار هنا هو المتمادي على كفر انعام الله عليه بالمال إذ لا ينفق منه في سبيله ولا يواسي به المحتاجين من عباده .والأثيم هو الذي جعل المال آلة لجذب ما في أيدي الناس إلى يده فافترض إعسارهم ، لاستغلال اضطرارهم .
/خ281