{ إني أنا ربك} قرئ بفتح الهمزة في{ إني} وقرئ بالكسر{[1483]} ، ويكون بالفتح تفسيرا للنداء أي النداء أنا ربك ، وعلى قراءة الكسر يكون النداء متضمنا معنى القول ، و"إن"تكسر بعد القول .
وقد أكد ضمير المتكلم ، وهو ياء المتكلم بتأكيدين أولهما:"إن"المؤكدة ، وثانيهما الضمير الظاهر{ أنا} المؤكد لياء المتكلم ، وكان التأكيد لغرابة المؤكد في ذاته ، ولغرابته على موسى عليه السلام ، أما الغرابة في ذاتها فهو أنه من أغرب الغرائب أن يكلم الله أحدا من عباده ، فقد يوحى إليه ، أما أن يكلمه فذلك أمر غريب لم يكن به عهد حتى عند الأنبياء ، وأما الغرابة بالنسبة لموسى فهو أنه خرج من مصر هاربا من مظالم فرعون وقهره ، وفرضه على الناس عبادته حتى يقول لهم ما لكم من إله غيري ، وقد خرج محتاجا يقول:{. . .رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير 24} ( القصص ) ، ثم مأجور يزرع ويرعى الغنم ، ولكنه يفاجأ بأن يخاطبه ربه من وراء حجاب ، ولذا كان التأكيد في موضعه ليأنس بربه وتذهب عنه وحشة الاغتراب ،{ وربك} معناه الذي خلقك ، وربك ، وأقامك ، وقام على رعايتك والعناية بك . و{ فاخلع نعيك} "الفاء"فاء الإفصاح ، وهي تفصح عن شرط مقدر ، أو هي تفيد أن ما بعدها مترتب على ما قبلها ، فإنه يترتب على أنه في الحضرة القدسية ، أن يكون الأمر بخلع نعليه ، وذلك الخلع للخشوع والخضوع ، إذ هو في الحضرة الربانية ، وهو بواد مقدس طاهر ، وإن الناس إذا كانوا في حضرة ملوك الأرض خلعوا نعالهم ، فكيف إذا كان موسى في حضرة ذي الجلال والإكرام والفضل والإنعام ، وإن في هذا الفعل الحسي إشعار للنفس بأن تتفرغ لله تعالى ، وأن يكون الله وحده هو شاغلها ، فلا يشغلها شيء سواه ، وقال تعالى:{ إنك بالواد المقدس} المطهر من الأرجاس الحسية والمعنوية ، وهو{ طوى} ، وهو اسم لواد في هذه الأرض المقدسة ، وحسبه شرفا أنه قد تجلى الحق فيه وكلم موسى تكليما .