عاد سبحانه بعد هذا الإرشاد الحكيم بالقرآن الكريم ، فقال عز من قائل:
{ وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين} .
هذه الآية الكريمة مفصلة بعض التفصيل لما تضمنه هلاك المسرفين في الآية السابقة{ وكم} بمعنى الكثير ، وهي مفعول ل{ قصمنا} ، والقصم هو التكسير والتهشيم ، والذي تنفصل فيه الأجزاء عن بعضها ، وهي تدل على الغضب ، والهلاك يكون لأهل القرية ، والمعنى وكم قصمنا أهل قرية كانت ظالمة ، وإني أرى كما أرى بعض المفسرين أن القصم كان في القرية نفسها ، كما حدث لقوم لوط ، إذ جعل عالي الأرض سافلها ، وكما حصل لثمود ، إذ جاءتهم ريح صرصر عاتية دمرتهم وكما حدث لعاد . . .إلى آخره ، وقوله:{ كانت ظالمة} ، أي أهلها ظالمون فالظلم لا يقع من البناء والأحجار ، ولكن من الذين يحلون في القرية ، فأسند الفعل إلى المحل وأريد الحال .
وقوله تعالى:{ وأنشأنا بعدها قوما آخرين} أي أن هذه القرية التي قصمت وحطم بنيانها وأزيلت من الوجود أنشأ بعدها قرية أخرى غير ظالم أهلها يسكنها قوم آخرون ، وهنا أمران يوجبان الالتفات .
أولهما – أن الحديث عن القرية ولكنه سبحانه قال إنه لا ينشئ القرية مرة أخرى ، إنما ينشئ قوما آخرين ، وإنشاء قوم آخرين ينشئ قرية ، وليس الأمر أمر البنيان ، وإنما الأمر أمر من يسكنون البنيان ، ووصفوا ب{ آخرين} لبيان تباينهم عن الأولين .
الأمر الثاني- التعبير ب{ أنشأنا} ، والتعبير بقوله{ بعدها} ، فالذكر للبَعدية بالنسبة للقرية مع أن الإنشاء للأقوام الآخرين ، وكان ذلك لأن الحديث عن قصم القرية ، وتكسيرها وتهشيمها وهو المظهر الحسي لهلاك الأقوام بهلاك قراهم وأماكنهم التي كانوا بها يعيشون .