{وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ( 11 ) فَلَمَّا أَحَسُّواْ بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ ( 12 ) لاَ تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ( 13 ) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ( 14 ) فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ( 15 )} .
/م11
التفسير:
11 - وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ .
كم: لفظ يفيد: تكثير وقوع ما بعدها .
القصم: هو الكسر بتفريق الأجزاء ،وإذهاب التئامها .
لقد أهلكنا كثيرا من القرى الظالمة ،التي كذبت الرسل واستهزأت بهم ،فدمر الله قرى الكافرين ،مثل: عاد وثمود وفرعون وأشباههم ،والتدمير يعم الناس والمنازل وسائر المكان ،وتصوِّر الآية شدة بطش الله بالظالمين ،فالتعبير بكلمة قصمنا تفيد: الفناء الكامل ،حيث إن القصم ( بالقاف ) يفيد: تفكيك الأجزاء وامتناع التئامها .
بخلاف الفصم ( بالفاء ) لأنه يفيد: التصدع ،وإمكانية الالتئام .
وحين تحدثت الآية عن الإهلاك جعلته للقرية ،كأن الإهلاك أصاب الأشخاص والأماكن وسائر الممتلكات والمنشآت ،أما عند الحديث عن الإنشاء والتعويض بالآخرين ،نسبه الله للأشخاص ،فيبدأ الله بهم ،ثم يعمرون المكان .
وفي معنى هذه الآية وردت آيات كثيرة ،تفيد: هلاك الظالمين المفسدين ،فذلك ناموس الله في إزهاق الباطل وإحقاق الحق ،قال تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًَا بَصِيرًا .( الإسراء: 17 ) .
وقال تعالى: فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ...( الحج: 45 ) .
وقال عز شأنه: وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ .( النحل: 112 ) .
وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ .
أي: أمة أخرى بعدهم ،فالله قد خلق الإنسان لعمارة الأرض ،فإذا أفسد وكذّب وأترف ؛أهلكه الله ،وأنشأ أمة أخرى مكان الهالكين ،وفي هذا المعنى يقول الله تعالى: وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ .( محمد: 38 ) .ويقول عز شأنه متحدثا عن هلاك فرعون وقومه: كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ *وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ .( الدخان: 25 – 28 ) .
أي: عندما هلك فرعون ؛انتقلت ملكية النعيم إلى قوم آخرين ، كأنه ميراث ملكوه ،كما يملك الابن الميراث عن أبيه .