أكد سبحانه نزول الكتاب من عنده إليهم ب "اللام"التي تفيد التوكيد ، و"قد"التي تفيد التحقيق ، وكان التأكيد لأصل ما يعود به عليهم ذلك الكتاب العظيم ، ولذلك قال تعالى في هذا الكتاب{ فيه ذكركم} هذا من إضافة المصدر للمفعول ، أي فيه تذكير لكم بالحق والمواعظ والأحكام الشرعية العادلة التي تنظم العلاقات بين العباد آحادا وجماعات ودولا ، وفيه المواعظ والقصص والعبر ، وكل هذا تذكرة وهداية وإرشاد .
ويقول الزخشري:إن الذكر هنا هو الشرف ، أي أن هذا الكتاب فيه شرف لكم لأنه يشرف من ينزل إليهم ، ومن يشيع علمه بينهم ، كما قال تعالى:{ وإنه لذكر لك ولقومك . . . 44} ( الزخرف ) .
ونقول:إذا كان العرب يتفاخرون بقصيدة يقولها شاعر في قبيلة فتكون فخرا لها فإن القرآن أعلى كلام في الوجود ، وأبلغه ، وما قاله بشر ، بل قاله الله تعالى وهو تنزيل من عزيز حميد ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وإنه لا يعرف قدره إلا من يعلو في البيان إلى تدبر معانيه ، وفصاحة مبانية ، وبلاغة كلامه ومقتضيات الأحوال ، ولذا قال تعالى:{ أفلا تعقلون} "الفاء"عاطفة على فعل محذوف بقدر يقدّر بما يناسب المقام فيقدر مثلا:أتردونه فلا تعقلون ، فلا تدركون بعقولكم حقيقة ما تردون ، ويعود بالخير عليكم شرفا وهداية وإرشادا ومواعظ وعبرا ، والتنكير في ( كتاب ) لبيان شرفه أي كتاب أيَّ كتاب .