{ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون} .
{ بل} للإضراب النافي لما قبله ، لا مجرد الإضراب الانتقالي ، والقذف الرمي من بعيد ، والرمي من بعيد يكون مؤثرا في المرمى عليه أكثر من القريب ، ويكون أدل على شدة الرمي ، و"بل"التي للإضراب تدل أشد الدلالة على نفي اللعب عن أفعاله فوق النفي السابق ، سبحانه وتعالى عما تتصف به الحوادث من لعب ، وتزجية الأوقات فهو القادر القهار الذي خلق كل شيء .
وفي قوله تعالى:{ نقذف بالحق على الباطل فيدمغه} تشبيه للحق بالجسم الصلب القوي الشديد ، والباطل أمامه بأنه هش ضعيف ، وذلك لبقاء الحق وسلامته وصلابته ، و{ فيدمغه} معناه يصيبه في دماغه ، ويقال:دمغه إذا أصابه في دماغه أو كسر دماغه ، ووصل إلى تجاويف رأسه حتى يصيب مخه فيقتله ، وفي ذلك أيضا تشبيه ، فشبه سبحانه وتعالى إصابة الحق للباطل بإصابة الدماغ ووراء إصابة الدماغ الموت ، ولذا قال تعالى:{ فإذا هو زاهق} و'الفاء"و"إذا"للمفاجأة ، والمراد من المفاجأة سرعة الإبطال ، و{ زاهق} معناها ميت ، لأن زهق معناه خرجت روحه ، وفي هذا الكلام أيضا تشبيه للباطل إذا زال وذهبت دولته بالنفس إذا خرجت ومات صاحبها ، وفي ذلك إشارة إلى أن الباطل لا يبقى ، والحق باق إلى يوم الخلود ، وما يرمونه من باطل فهو ميت فان ، وما يثبت من حق باق خالد .
وبعد أن قرر سبحانه ذلك مؤكدا خلق السماوات والأرض لإحقاق الحق وإبطال الباطل ، التفت بالخطاب للمشركين ، فقال عز من قائل منذرا لهم:{ ولكم الويل مما تصفون} أي لكم الهلاك الذي يصحبه أنين وألم يستمر{ مما تصفون} "ما"موصول حرفي ، والمعنى من الوصف الذي تصفونه به ، و"من"سببية أي بسبب الوصف الذي تصفونه وأن له شركاء يعبدون ، وإنهم يكونون شفعاء عنده ، وهذه أوصاف لا تليق بالذات العلية ، وهم يقولون باطلا{. . . ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى . . . 3} ( الزمر ) .