قوله: ( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ) ( بل ) ،حرف إضراب .و ( نقذف ) ،من القذف وهو الرمي{[3023]} ؛أي ليس من شأننا أن نخلق شيئا عبثا ولا أن نتخذ الولد أو الصاحبة ،بل من شأننا أن نسلط الحق على الباطل ( فيدمغه ) دمغه ؛أي شجّه حتى بلغت الشجة الدماغ بعد أن كسرت عظم دماغه .واسم الشجة هنا الدامغة وهي التي تخسف الدماغ ولا حياة معها .وهي عاشرة الشجاج المعروفة في الجروح من باب الجنايات{[3024]} .
والمعنى: يدحضه ويبطله ،أو يقهره ويأتي عليه .والمراد أن الله يسلط الحق على الباطل ليقضي عليه ويبدده تبديدا أو يمحقه محقا .والحق هو القرآن أو الإسلام بما حواه من بالغ الحجج وعظيم الأحكام في كل القضايا البشرية وبما يحمله للناس من تصورات وأساليب مميزة في التربية والأخلاق والسلوك .كل ذلك يجعل من الإسلام خير عقيدة سمحة عرفتها الدنيا ،وخير نظام كامل شامل تجد البشرية في ظلاله الأمن والسعادة والاستقرار والنجاة من كل الأدران والمتاعب .وفي مقابل ذلك كله يجثم الباطل على صدر البشرية في غالب الأحوال والأحايين .وذلك هو الباطل بكل صوره وأشكاله ومسمياته التي لقيت البشرية تحت كابوسها ألوانا من الشقاء والتعس والويل .ويلا الحروب والإذلال والاستعباد والخوف .كل ذلك في ظل الباطل التائه العارم المتنفش .الباطل الذي ما يفتأ ،بين الحين والآخر ،يصول ويتيه عربدة وغرورا وهو يجرجر للبشرية كل ضروب الخراب والفساد والظلم .
ولا يتردد الباطل في كل مكان وزمان عن نفث الشرور والبلايا والويلات للناس ،والمسلمين خصوصا .لا يتردد الباطل المتمرد المنتفش العاتي في العدوان على البشرية ،والمسلمين خاصة ،حتى يقذف الله عليه بالحق وهو الإسلام فيسلطه عليه تسلطيا ويقهره قهرا كيما يتطحطح ويتلاشى .أو ينفى وينهزم .
قوله: ( ولكم الويل مما تصفون ) ذلك وعيد من الله لهؤلاء المشركين الكاذبين الذين يتقولون على الله الكذب فيزعمون أن له ولدا أو صاحبة .والويل ،معناه الهلاك .أو هو واد في جهنم يهوي فيه الجاحدون والمضلون والمجرمون .