وبعد أن بعثه الله تعالى تقدم لمجاهدة أبيه وقومه المشركين ، ابتدأت المجاهدة بقوله:
{ إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} .
"إذ"هنا للوقت الماضي ، وهي مفعول لفعل محذوف تقديره "ذكر"، والخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم والمعنى اذكر لقومك من مشركي العرب الذين يفخرون به نسبا ، ويدعون أتباعه كيف جاهد قومه في هذا الشرك ، وذكر أباه لأنه داع للحق ، وداعي الحق لا يفرق في دعوته بين قريب وغيره ، بل يبتدئ بالقريب لأنه أقرب إجابة ، ولأن الدعوة إلى الحق خير ، فأولى به الداني ، وإبراهيم كان أبوه دانيا إلى قلبه وذكر بعد أبيه قومه ، ومما قاله لهم هو:{ ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} التماثيل جمع تمثال ، وهو الصورة المجسمة للإنسان أو للحيوان ، وأكثر ما يكون الآلهة لصورة إنسان ، وكانت التماثيل عند اليونان والرومان وكانوا يعدونها أو يسمونها آلهة ، فيقولون:إله الحب ، وإله الزرع ، وإله العدالة ، والعكوف:الإقبال على الشيء وملازمته على سبيل التعظيم له وعبادته .
والاستفهام منصب على سؤاله عن هذه الأصنام التي عكفوا عليها يعظمونها ، ويعبدونها ، وهو يتضمن أولا الاستهانة بها وتحقيرها بالإشارة ، لأن الإشارة تتضمن أنها حجارة محسوسة لا تضر ولا تنفع ، ويتضمن ثانيا استنكار العكوف عليها وعبادتها ، والاستفهام ليس عن الماهية ، بل عن أوصافها ، وتنبيه إلى أنها لا تضر ولا مسوغ لعبادتها لأنها ليس فيها صفات الألوهية التي توجب العبادة .