{إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} قالها لأبيه ،في موقف يوحي بأن الأبوّة ،مهما كانت تختزن في داخلها من الاحترام والهيبة ،لا تمنع الولد من مواجهتها بالأسئلة الحاسمة في القضايا المتصلة بالعقيدة ،لأنها تتجاوز كل الانفعالات الشعورية في العلاقات الإنسانية ،لتتركز في دائرة المواقف المصيرية ،ما يعني بأن الحواجز النفسية لا تمثل حائلاً بين الإنسان وبين الآخرين في شكليات التقاليد والعادات ،بما يريد أن يؤكده من قضايا الفكر والحياة .وقالها لقومه الذين يملكون في المجتمع القديم السلطة الضاغطة على كل فرد من أفراد العائلة ،لا سيما كبار السن مثلهم ،وذلك بشجاعة الروح الرسالية التي تملك أن تطلق التحدّي وأن ترده ،في عملية الدعوة والهداية والدفاع عن الحق .
{مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ} الحجرية التي تتعبدون لها في خشوع وابتهال ؟ما دورها في حياتكم وحياة الناس ؟وما الأسرار الكامنة في داخلها التي تميزها عن الأحجار الأخرى ؟هل هو الشكل والصورة أو ماذا ؟..إنكم أنتم من صنعها ،فلم تكن منزلة عليكم من الغيب ،ولولاكم لم يكن لها أية ميزة نوعية ،فهل فكرتم في ذلك كله ؟وهل وعيتم معنى العبادة في العمق ومستوى المسؤولية المرعية بين العابد والمعبود ،في ما يمثله المعبود من قوة مطلقة ،في الخلق والهيمنة والنعم الشاملة لكل جوانب الحياة ..وفي الموت والحياة ؟فهو الذي يملك الأمر كله ،فلا يملك أحد منه ما يملكه منه ،وهو الذي يكفي من كل شيء ،ولا يملك منه أحد شيئاً ،فماذا تملك هذه التماثيل من ذلك كله ،وهل تستطيع أن تدفع عن نفسها الضرر القادم من أي واحد منا ؟
هل تملكون تفسيراً لذلك ؟وبالتالي هل لديكم ما تدافعون به عن عقيدتكم هذه ،ليكون ذلك مبرراً لكم ولمن حولكم للسير في هذا الاتجاه ؟