{رُشْدَهُ}: الرشد: خلاف الغي ،وهو الاهتداء وإصابة الواقع .
{وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ} فقد أعده الله في تكوينه الفكري والروحي إعداداً صالحاً ،من خلال ما أثاره في نفسه من علامات الاستفهام ،وأدار فكره من المواقع التي تعطي لكل سؤال جواباً في دقة وعمق وانفتاح ،وعرف من حركة الواقع من حوله الكثير الكثير من شؤون الناس في أفكارهم وتوجهاتهم ومواقفهم ،حتى استطاع أن يختزن في وعيه الحسّ الاجتماعي الذي يعرف من خلاله كيف يكتشف نقاط الضعف عند الآخرين ،ونقاط القوة في نفسه ،ليواجه نقاط ضعفهم بنقاط قوته .وهكذا استطاع أن يحصل على الرشد الفكري الذي يهدِيه إلى معرفة مواقع الخطأ والصواب في الأشياء المطروحة في الساحة .
{وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} لأن الله هو الذي تعهده بالعناية والرعاية ،بما هيأ له من إمكانات على جميع المستويات ،ومن خلال ما يتعهّد به الأنبياء من تربية فكرية وأخلاقية وروحية ،ليكونوا في مستوى حمل الرسالة ،وفي موقع الاختيار الإلهي ،لتقوم بهم الحجة على الناس من موقع القوّة الفكرية والروحية ،لأن الذي يريد أن يقود الناس إلى الرشد ،لا بد من أن يملك رشده ،لأن فاقد الشيء لا يعطيه ،ولأن الذي يحمل الرسالة من موقع إرادة التغيير الشامل للواقع يجب أن يكون بالمستوى الذي يستطيع من خلاله أن يحرك عملية التغيير على أساس الإمكانات الواسعة التي يملكها في هذا المجال .
وقد نستوحي من ذلك ،أن الموقع النبوي لا يملك خصوصية في هذا المجال ،إلا من خلال طبيعة المستوى الأعلى الذي تتميز به النبوّة عن المواقع الأخرى في ساحات الدعوة والتبليغ ،فإن المسألة هيفي العمقمسألة الداعية إلى الله ،والعامل من أجل التغيير في خط هداه الذي يقف في الموقع القيادي للأمة ،من حيث طبيعة الملكات الفكرية والروحية والاجتماعية التي يجب أن يملك فيها رشده ،ليعطي للأمة رشدها .لذا لا يجوز أن تكون هذه المهمةمهمة الدعوة والتبليغ والتوجيه السياسي والاجتماعيملقاة على عاتق الذين لا يحسنون حركة الدعوة في الفكر والمنهج والأسلوب ،ولا يستطيعون وعي الواقع في عمقه وامتداده ،لأن ذلك ينعكس سلباً على مستقبل الإسلام والمسلمين ،في ما يؤدي إليه من النتائج السلبية ،ومن سيطرة التخلُّف على المسيرة الإسلامية كلها .