{ قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين} .
{ بل} للإضراب والرد ، وإبطال عبادتهم وبيان أن التماثيل ليست أربابا ، بل الرب واحد وهو رب السماوات والأرض الذي قام عليهن ، وربهما وهو الحي القيوم{ الذي فطرهن} الذي خلقهن من عدم وأنشأهن في هذا الوجود ، وعبر بقوله:{ فطرهن} بدل خلقهن للإشارة إلى أنه شق أرض من السماء ، أو شق الوجود كله من وحدة كانت تجمعه ، كما قال تعالى من قبل في هذه السورة:{ أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانت رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي 30} . ( الأنبياء ) وقد ذكرنا هذا المعنى في هذه الآية .
وقد أكد- عليه السلام – أن هذا هو ربهم ، وليست تلك التماثيل بأنه يعلم ذلك ، ويؤكد لهم علمه فقال الخليل عليه السلام:{ وأنا على ذلكم من الشاهدين} هذا تأكيد لعلمه بذلك وهو الثقة فيهم والمرشد الأمين عندهم وأنه لا يكذبهم فيما يقول:{ وأنا على ذلكم من الشاهدين} يلاحظ فيها أمور ثلاثة:
أولها – أنه قدم الجار والمجرور{ على ذلكم} على متعلقها{ من الشاهدين} لأهمية هذه الشهادة .
ثانيها – التعبير بالجمع في الخطاب ، لأن المخاطبين جمع لا فرد ، وكذلك كلما كان اسم الإشارة يخاطب به جمع ، وإذا لم تكن كذلك بأن كان الخطاب للواحد لا تجئ الميم ، وقد حسب بعض الكتاب أن الأمرين جائزان ، وذلك غير صحيح ، إنما تكون إذا كان المخاطب جمعا ، وتكون فيما عدا من غير الميم ، لأنه إذا لم يكن جمعا كان المخاطب محمد صلى الله عليه وسلم .
والثالث – أن{ من الشاهدين} معناها من العالمين علما يشبه علم المشاهدة والمعاينة فالدليل عنده يثبت اليقين كالمعاينة التي يراها ويشهدها .
اعتزم بعد ذلك إبراهيم أن يثبت لهم بالعيان كالعلم الذي أوتيه بأن يحطم أوثانهم فلا ترد له كيدا ، فقال:
{ وتالله لأكيدن أصناكم بعد أن تولوا مدبرين} .