{ قالوا حرقوه ونصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين} .
أخذوا الأمر أمر ممانعة ومغالبة ، وهو وحده والله معه ، والحق بحججه يصرخ به في أوساطه لا يباليهم ، لأنه يبالي الله وحده ، ولا يبالي أحدا سواه ، وهم بتماثيلهم وعددهم وقوتهم المادية الغاشمة وملكهم الغاشم ، فلما حطم إبراهيم –بتأييد الله تعالى ومعونته – أصنامهم حسبوا بقانون المغالبة أنه غلب أصنامهم ، فلا بد أن ينتصروا لها ، ولا بد ينصروا كأنها شيء يحس ويغالب ويغلب ، وكذلك سولت لهم أنفسهم ، وكذلك يدخل الضلال العقول ، ويذهب برشدها .
{ قالوا حرقوه} التحريق المبالغة في الإحراق وإكثار حطبه ، وقد جعلوا ذلك التحريق في مقابل ما قام به من تكسير وتحطيم لأصنامهم ، حتى جعلها جذاذا فتاتا متكسرا تفرقت أجزاؤها ، ولذا قالوا:{ وانصروا آلهتكم} ، أي خذوا بثأرهم عن الحطم الذي صغر به أمرهم ، وأضعف به شأنهم ، وقال قائلهم المتحدث في جمعهم عنهم:{ إن كنتم فاعلين} أي إن كنتم تريدون الثأر لآلهتكم فأحرقوه ، وإلا فالمهانة والعار والشنار ، وإن ذلك يدل على أنه كان في بعضهم تردد أو عطف ، أو عدم إيمان حازم بما هم فيه من الضلال .
ولكن إبراهيم المؤمن بالله وبالحق لم يعرهم التفاتا ، ولم يفزع من تهديدهم ، لأنه يعلم أن الحق أبقى ، ومن لا يفتدي الحق بنفسه لا يستحقه ، فلا بد فيه من فداء وقد عرف أبو الأنبياء من بعد بالفداء والبلاء فقد قبل أن يذبح ابنه لرؤيا صادقة رآها ، حتى فداه الله بذبح عظيم .
ألقوا بإبراهيم خليل الله في النار ، وهو الصابر الراضي بحكم الله ، ألقوه في أتون النيران ، وقد بنى لها بناء تضطرم فيه ، ولكن أمر الله تعالى كان فوق أمرهم وقدرته قاهرة عليهم ، فألقى إبراهيم في النار وتلقفته في ساعتها رحمة رب العالمين:{ قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم} .