"الفاء"تفصح عن شرط مقدر يتبين من الآية السابقة ، ومعناه إذا علمتم أني لكم نذير مبين فقط ، فإما أن تطيعوا فتكونوا مؤمنين ، وإما أن تعصوا فتكفروا بآيات الله تعالى ونعمه ، والجزاء يذكر للمؤمنين إيمانا صادقا ويعملون عملا صالحا ، والعمل الصالح ذكرناه في موضع أنه الطاعات من أوامر ونواه ، والقيام بكل ما هو نافع للناس مرضاة لله تعالى ، فلا يقصد بنفعهم إرضاءهم ، إنما يقصد إرضاء ربهم ، فمن يقصد إرضاء الناس فقط قد يرتكب إثما في سبيل إرضائهم .
وسياق الكلام يتجه إلى أن الكلام كلام النبي بأمر ربه يحكيه الله تعالى عنه ، وذكر جزاء المتقين بقوله:{ لهم مغفرة ورزق كريم} ، المغفرة تنبئ عن رضا الله تعالى عليهم ، وهي ذاتها جزاء ، لأن المؤمن مهما يكن تقيا له هفوات وهنات يحس بها في ذات نفسه ، وكلما أرهف إحساسه الديني ، وكلما هذبت نفسه بالتقوى أحس بهفواته واستكثرها ، واستصغر حسناته ، ولقد قال الله تعالى لنبيه:
{ ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك . . . 2} ( الفتح ) ، وما كان له صلى الله عليه وسلم ذنب ، ولكن الله تعالى يخبر نبيه بمحبته ، إن المغرورين هم الذين يستنكرون حسناتهم ، ويستصغرون سيئاتهم ، وحالهم هذه قد تجرهم إلى العصيان والوقوع في الشر ، وما دام الرجل يستصغر ما فعل من حسنات ، فهو لا يدل بها ، ولا يمن على الله ، كما حكى عن بعض الأعراب قال:{ يمنون عليك أن أسلموا . . . 17} ( الحجرات ) .
والرزق الكريم بعد المغفرة هو دخول الجنة ، فهي ذاتها رزق كريم ، وفيها كل ما تشتهي الأنفس ، وأنهار جارية من تحت أشجارها ، وعسل مصفى ، وأنهار من خمر لذة للشاربين وحور عين ، وغير ذلك ، وكل رزق من الله كريم رزق المتقين إياه ، وهو رزق سخي طيب ، جزاء ما فعلوا من خير ، وكفوا أنفسهم عن الأهواء والشهوات ، وهو رزق واسع دائم ، ونعيم مقيم .
هذا{ والذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم 51} .