الضمير يعود على الله جل جلاله ، وهي معطوفة على قوله تعالى:{ سخر لكم ما في الأرض} ، وقد ذكر سبحانه فضله تعالى ، وهو المنشئ المنعم في ثلاثة أدوار:
الدور الأول- أنه هو الذي أمدنا بالحياة ذاتها فأخرجنا من التراب ، ثم من نطفة ، إلى أن جعلنا في أحسن تقويم ، وأمدنا بما يبقي حياتنا من نبات وثمار ، وحيوان يأكل مما تنبت الأرض ، وعبّر سبحانه بقوله:{ وهو الذي أحياكم} وقد أشار سبحانه وتعالى إلى عناصر الحياة التي تمدها بالبقاء بإرادته في آيات أخر .
الدور الثاني- الموت ، بعد أجل مسمى من ابتداء الحياة ، وهذا محسوس مرئي يحدث كل يوم ، ولذا قال تعالى:{ ثم يميتكم} وقد عبر بالمضارع ، لأنه مستمر متجدد يرى كل يوم ، ولا يرتاب فيه مرتاب ، لأنه مرئي بالعيان .
الدور الثالث- الحياة بعد الموت ، وهو البعث والنشور ، وقد عبر سبحانه وتعالى عن ذلك الدور بقوله:{ ثم يحييكم} وعبر بالمضارع ، لأنه واقع في المستقبل يؤمن به من يؤمن بالغيب ، ومن يعلم أن الإنسان لم يخلق عبثا ، ولكن لأن هذا الدور ليس مشاهد الآن بالعيان أنكره الكافرون ، لأنهم قالوا:أئذا متنا وكنا ترابا{. . . أئنا لمبعوثون خلقا جديدا 49} ( الإسراء ) ، ولكن الله الذي خلق الإنسان من تراب ، وأمده بكل عناصر الحياة والبقاء أخبر بأنه هو القادر الذي خلقهم وأحياهم ، وأنه يعيدهم كما بدأهم{. . .كما بدأكم تعودون 29} ( الأعراف ) ، ولكن المشركون وهم كثيرون لم يؤمنوا بالبعث وكفروا به ، ولذا قال تعالى عقب ذلك:{ إن الإنسان لكفور} ، أي يجحد الدور الأخير ، لأنه لا يؤمن إلا بالأمر المحسوس ، وإنما ذلك أمر مغيب ، والفرق بين الكافر والمؤمن أن المؤمن يؤمن بالغيب ، والكافر لا يؤمن إلا بالحس ، وقد أكد سبحانه كفر الكافر بالغيب ، أولا ب{ إن} ، وثانيا ب"اللام"، وثالثا بالصفة المشبهة "كفور".
و{ الإنسان} هنا هو الذي لا يؤمن بالغيب ، ويلاحظ في التعبير ب{ ثم} أنها للتراخي ، ففترة ما بين الحياة والموت ليست قصيرة يعمل فيها ما يحاسب عليه بالعقاب أو الثواب ، وكذلك الفترة بين الموت والحياة الثانية .