وقد ذكر سبحانه أسوأ أحوالهم ، وهي السخرية ممن يتضرعون إلى الله تعالى ، فقال:
{ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ( 109 )} .
وإن الله تعالى ليذكرهم بأعمالهم مع المؤمنين الذين كانوا يضرعون إلى الله تعالى ، ويرجون رحمته ، ويخافون عذابه ، فيقول:{ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي} هذه الجملة في مقام التعليل لإبعاد المشركين وطردهم ، ومنعهم من الكلام معه ، أي أنه سبحانه وتعالى يعاملهم يوم القيامة بهذه المعاملة المبعدة الطاردة جزاء وفاقا لما كانوا يعملونه مع المؤمنين ، والفريق من عباده هم فريق المؤمنين الذين كانوا يؤمنون به وبرسله ويضرعون إليه ، يقولون:{ ربنا آمنا} ، أي صدقنا وأذعنا ، وصرنا ممن اتبعوا رسولك ،{ فَاغْفِرْ لَنَا} .
وشأن المؤمن الضارع أن يحسب أن ذنوبه قبل حسناته ، فيطلب الغفران قبل طلب الجزاء على الطاعة ، لأنه يحس أنه لم يقم بحق الله تعالى عليه ، حتى يطالب بحق له ،{ ارحمنا} ، أي امنن علينا بدوام الهداية ، وأدخلنا في رحمتك ، دعوا الله تعالى أن يرحمهم ولم يدعوه بأن يكافئهم ، بل يحسبون كشأن الأبرار أن ما كان يجزيهم به من خير فهو فضل رحمته ورضوانه ، ولا يحسبون أنهم عملوا ما يستحقون عليه جزاء ،{ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} ، أي وأنت الذي ترحم رحمة ليس فوقها رحمة يا رب العالمين .