وهكذا قد غشيت المادة تفكيرهم ، حتى صاروا لا يفكرون إلا عن طريقها ، ويستبعدون بأهوائهم ، ولا يفكرون بعقولهم ، ويؤكدون إنكار البعث ، فيقولون كما حكى الله تعالى عنهم بقوله:
{ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ( 37 )} .
فصلت هذه الجملة عما قبلها ، لأنها في معنى البيان لها ، وتوكيدها ، وقد انتقلوا من مرتبة الإنكار ، إلى مرتبة ادعاء النقيض وادعاء أنه لا حياة بعد هذه الحياة فقالوا:{ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} فإن نافية ، ففي الجملة نفي وإيجاب ، وهذا يفيد القصر ، أي لا حياة إلا هذه الحياة الدنيا ، والدنيا مؤنث أدنى ، أي هذه الدنيا القريبة وليست الحياة البعيدة{ هي}تفيد التوكيد ، إذ مضمونها أن هذه الحياة وحدها .
{ نَمُوتُ وَنَحْيَا} أي يولد من يولد ، ويموت من يموت ، ويحيا بالميلاد من يحيا ، كما نرى الموتى والأحياء ، فهم يقرون بالواقع المحسوس فقط ، ليموت من يموت ، ولا يعود ، ويولد من يولد فيحيا ثم يموت ، ولا عود لمن مات ، ولذا حكى عنهم أنهم يقولون:{ وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} أكدوا النفي بالباء ، وبنفي الوصف ، أي ليس من شأننا أن نبعث ، لأن من مات لا يعود ؛ ولأنه لا تحيا العظام بعد أن صارت رميما .