قوله:{ إن هي إلا حياتنا الدنيا} يَجوز أن يكون بياناً للاستبعاد الذي في قوله:{ هيهات لما توعدون} واستدلالاً وتعليلاً له ،ولكلا الوجهين كانت الجملة مفصولة عن التي قبلها .
وضمير{ هي} عائد إلى ما لم يسبق في الكلام بل عائد على مذكور بعده قصداً للإبهام ثم التفصيل ليتمكن المعنى في ذهن السامع .وهذا من مواضع عود الضمير على ما بعده إذا كان ما بعده بياناً له ،ولذلك يجعل الاسم الذي بعد الضمير عطف بيان .
ومنه قول الشاعر أنشده في « الكشاف » المصراع الأول وأثبته الطيبي كاملاً:
هي النفس ما حملتها تتحمل *** وللدهر أيام تجور وتعدل
وقول أبي العلاء ( المعري )
هو الهجر حتى ما يُلم خيال *** وبعضُ صدود الزائرين وصال
ومبيّن الضمير هنا قوله{ إلا حياتنا} فيكون الاسم الذي بعد ( إلا ) عطف بيان من الضمير .والتقدير: إن حياتنا إلا حياتنا الدنيا .ووصفها بالدنيا وصف زائد على البيان فلا يقدر مثله في المبيَّن .
وليس هذا الضمير ضمير القصة والشأن لعدم صلاحية المقام له .ولأنه في الآية مفسَّر بالمفرد لا بالجملة وكذلك في بيت أبي العلاء .
ولأن دخول ( لا ) النافية عليه يأبى من جعله ضمير شأن إذ لا معنى لأن يقال: لا قصة إلا حياتنا ،فدخلت عليه ( لا ) النافية للجنس لأنه في معنى اسم جنس لتبيينه باسم الجنس وهو{ حياتنا} .فالمعنى ليست الحياة إلا حياتنا هذه ،أي لا حياة بعدها .
والدنيا: مؤنث الأدنى ،أي القريبة بمعنى الحاضرة .
وضمير{ حياتنا} مراد به جميع القوم الذين دعاهم رسولهم .فقولهم:{ نموت ونحيا} معناه: يموت هؤلاء القوم ويحيا قوم بعدهم .ومعنى{ نَحْيَا}: نولد ،أي يموت من يموت ويولد من يولد ،أو المراد: يموت من يموت فلا يَرجع ويحيا من لم يمت إلى أن يموت .والواو لا تفيد ترتيباً بين معطوفها والمعطوف عليه .وعقبوه بالعطف في قوله:{ وما نحن بمبعوثين} أي لا نحيا حياة بعد الموت .
وهو عطف على جملة{ نموت ونحيا} باعتبار اشتمالها على إثبات حياة عاجلة وموت ،فإن الاقتصار على الأمرين مفيد للانحصار في المقام الخطابي مع قرينة قوله:{ إن هي إلا حياتنا الدنيا} .وأفاد صوغ الخبر في الجملة الاسميَّة تقوية مدلوله وتحقيقه .