{ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ( 90 ) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ( 91 )} .
هذا إضراب انتقالي ، انتقل الله بهم من المجاوبة التي تكون بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم إذ يوجه أنظارهم إلى ما ينبئ عن الحق وهو الوحدانية ، يأخذها من نتائج ما يقولون ، وإذا كان الأمر كما يقول المناطقة:النتائج متضمنة في مقدماتها ، وما البرهان إلا كشف ما تطويه المقدمات من نتائج ، فعلمهم بأن الكون كله مخلوق لله تعالى متضمن وحدانيته تعالى في العبادة .
الإضراب الانتقالي هو الانتقال من المجاوبة إلى تقرير الحق مبينا بطلان ما يدعون بطريق إثبات بطلانه في ذاته ، وبيان صحة نقيضه ، قال تعالى:{ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ} ، أي بالأمر الثابت الذي لا يتطرق إليه الريب ،{ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} جعل وصفهم بالكذب المستمر مقابلا للحق جاءهم الله تعالى به ، لأن الكذب إذا مردت عليه النفس فسدت ، وصارت لا تفرق بين باطل وحق ، إذ تكون نفسه غير مؤمنة ، لأن الإيمان تصديق وإذعان ، فلا بد من الصدق لكي يكون الإيمان ، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:( إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، والفجور يهدي إلى النار ، ولا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا ) .
ولقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الإيمان والكذب نقيضان لا يجتمعان ، فقد سئل أيكون المؤمن بخيلا ؟ قال:يكون ، أو يكون المؤمن جبانا ؟ ، قال:نعم يكون ، وسئل:أيكون المؤمن كذابا ؟ قال:لا يكون المؤمن كذابا .
ولذا كان حقا أن يقابل الحق الذي جيء به الله تعالى ويتأكد كذبهم ، وقد أكد الله تعالى ب "أن"المؤكدة ، وباللام ، وبالوصف ، بأنهم من شأنهم الكذب ، وبالجملة الاسمية .
ولا يفتح القلب للأوهام ، ووسوسة الشيطان إلا أن يمرد على الكذب ، لأن الكذب يخفت صوت الحق والبرهان والعقل