ولقد نفى الله تعالى من بعد ذلك أوهامهم ، فقال:{ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَه} .
نفى الله تعالى أن يكون له ولد ، وادعائهم أن الله اتخذ ولدا فالنصارى قالوا:اتخذ الله عيسى ولدا له ، وبعض المشركين قالوا:اتخذ الله تعالى الملائكة بنات له ، واليهود قالوا:اتخذ الله عزيرا ولدا له ، وتعبيرهم ب{ اتخذ الله من ولد} يشير إلى احتياج الله تعالى للولد ، كما يقول النصارى اتخذ الله عيسى ولدا ليقتل ويكفر عن خطيئة آدم ، والله سبحانه وتعالى غفار للذنوب قابل للتوب ،{ يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ( 15 )} [ فاطر] ، أي المحمود على كرمه وإفضاله دائما .
والقسم الثاني من المشركين الذين اتخذوا الأوثان آلهة من دون الله أو معه ، وقد نفى الله سبحانه وتعالى ذلك نفيا كاملا مستغرقا ، و{ من} في قوله:{ من ولد} ، و{ من إله} ، لاستغراق النفي ، والمعنى ما اتخذ الله من ولد أي ولد كان ، فالكل خلق له ، ولا تفاوت أمامه ، وما كان معه من إله أي إله ، ومن أي مادة .
ولقد برهن سبحانه ، على بطلان الشرك فقال:{ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي إذا كان هناك آلهة غير الله . فالتنوين في{ إذا} ينبئ عن جملة أضيفت إليها ( إذا ) ، وتكون في معنى الشرط ، ولو كان هناك لترتب على ذلك أمران محالان ، ولا وجود لهما ، وإذا انتفيا ما أدى إليهما ، فنفي اللازم يقتضي نفي الملزوم ، والأمران هما:
الأولأن يذهب كل واحد بما خلق ، وبذلك لا يتحقق التناسق في الوجود ، وكله نسق واحد ، لا تفاوت فيه .
والثانيأن يكون بينهما التعالي ، فلا يكونان في قدرة واحدة ، بل يكونان على أقدار مختلفة ، وفرض التساوي في القدر ينتهي إلى أن يكونوا كشخص واحد أو كإله واحد ، والواحد ضد التعدد ، فلكي يستقيم فرض التعدد لا بد أن يفرض أن بعضهم يعلو على بعض ، وذلك يؤدي إلى التنازع ، وهذا يؤدي إلى الفساد ، كما قال تعالى:{ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ( 22 )} [ الأنبياء] .
وقال في هذه الآية ،{ فسبحان الله رب العرش عما يصفون} ، أي تقدس سبحانه وتعالى "ما"يصح أن تكون موصولا حرفيا ، ويصح أن تكون موصولا اسميا ، وعلى الأول يكون المعنى تقدس الله تعالى وتنزه عن وصفهم له بأن له شريكا أو اتخذ ولدا ، وعلى الثاني يكون المعنى تقدس الله عن الذي يصفونه به وهو أن له شريكا ، والمؤدي واحد .