وقد أنذر سبحانه المشركين بأنهم سيندمون حيث لا ينفع الندم ، وأنهم يحاولون أن يصلحوا من أنفسهم حيث فاتهم الأجل وسبقهم الزمن ، وما سبقهم لا يعود .
{ حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ( 99 ) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( 100 )} .
الضمير في{ أحدهم} ، يعود إلى المشركين الذين كانوا يرددون:{ أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون} ، والذين كانوا يرددون{ إنا هذا إلا أساطير الأولين} ، هؤلاء إذا حضر أحدهم الموت ، ورأى رهبته وأدرك معاني الآيات الكونية والقرآنية ، والدعوة المحمدية ، علم أنه كان في ضلال ، وذكر أحدهم مع أن الأمر يعمهم ، للإشارة إلى أن الضلال كان من اجتماعهم وتألفهم على الباطل ، وتعاونهم على إثمه{ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} الخطاب للجماعة التي تقبض الأرواح من الملائكة ، أو هو عندما يكون قاب قوسين من الموت ، ينادي من حوله أو في نفسه يقول:ارجعون ، كما يقول المستغيث عندما يدلهم عليه الأمر ، أو تحدثه نفسه بذلك ، كما قال تعالى:{ ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول . . .( 8 )} [ المجادلة] .
وقوله تعالى:{ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} ، أي رجاء أن أعمل صالحا فيما تركت من مال وقوة ، وسلطان ، وكان الرجاء والتردد لأنه لا يضمن توفيق الله ، أو لأن الرجاء هو ما تقتضيه الكياسة ، فهو يطلبه راجيا ، وقد رد الله تعالى رجاءه مكذبا له من عزمته على تدارك ما فاته ، وإنما هي أمنية يتمناها ويخالفها كما كان يعد في الدنيا أنه إذا ذهب الكرب عاد إلى ربه مؤمنا ، فإذا كشف الله عنه الضر عاد كافرا .