{ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ( 18 )} .
غلب في القول العقلاء على غيرهم ، وقيل:أنطق الله الأحجار فنطقت كما نطق العقلاء ، وليس ذلك بمعجز على قدرة الله العلي الحكيم ، ومهما يكن فقد نطق المعبودون جلهم أو كلهم ، قائلين:{ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء} وفي قوله تعالى:{ نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ} قراءتان إحداهما نتخذ بالفعل المبني للفاعل ، وقراءة بضم النون الأولى بالبناء لغير الفاعل ، ويكون المعنى على القراءة الأولى ، ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من غيرك أولياء ونصراء ، وإذا كان ذلك لا يسوغ لنا ، فبالأولى لا نسوغه لغيرنا ، وكان تدل على الكينونة ، أي ما كنا بوجودنا إلا عبادا لا يكون لنا أن نتخذ أولياء غيرك فلا يجوز أن ندعو أحدا إليه .
وعلى القراءة الثانية بالبناء للمفعول ما كان ينبغي لنا أن نرضى بأن نتخذ أولياء ونصراء غيرك ، وذلك كقول عيسى عليه الصلاة والسلام عندما يسأله ربه يوم القيامة{ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ( 116 )} [ المائدة] .
وقوله تعالى:{ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاء} من الأولى معناها من غيرك ، وهو دونك مكانة ومقاما ، ومن الثانية تدل على الاستغراق ، أي ولي نصير معبود فهي لاستغراق النفي وتأكيده .
وإنه يجيء على لسان المعبودين ما هو الحق في ذاته:{ وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} ، أي أن المتعة التي متعتهم بها من سلطان وجاه ، وإعطائهم المال والأولاد ، والسيطرة والتمكن كما مكنت لفرعون وأشباهه ، وإن المتع والأهواء والشهوات تغشى النفس بفساد من الضلال ينسون به ذكر الله ، ويتركون ما هو حق في ذاته إلى ما تميله الأهواء والأوهام فأنستهم ذكر الله ، وألهتهم ، وصاروا قوما بورا ، البور وصف لأولئك الذين ضلوا ، فهم بائرون قد انحلوا من كل وثاق لأهل الإيمان ، وأصل بار معناها كسد ، ومن ذلك قوله تعالى{. . . تجارة لن تبور ( 29 )} [ فاطر] ، والشيء الكاسد يفسد ، وهؤلاء قد فسدوا بكلامهم الذي لا أصل له ، ولا دعامة يقوم عليها أو أي دليل إلا الوهم والهوى .