{قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ} إننا نعيش عمق الإحساس بعظمة الوحدانية في ألوهيتك ،فليس لدينا أمامك إلا الانسحاق والذوبان الذي يتحوّل إلى تسابيح نطلقها في سمائك .فمن موقع الإيمان العميق نوحّدك ،وإذا كان التوحيد هو سرّ الإيمان فينا ،فكيف ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء ،فنواليهم ونخلص لهم ونتقبلهم ،وهؤلاء هم الذين عبدونا من دونك ،وقدّموا لنا فروض العبادة بدلاً منك .ولكن كيف حدث ذلك ؟
{وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وآبَآءَهُمْ حَتَّى نَسُواْ الذِّكْرَ} فقد عاشوا في إحساسهم المليء بالشهوات ،الغارق في أمواج الأحلام ،وامتدوا بالمتع الحسية حتى استغرقوا فيها ،وشُغلوا بها حتى انفصلوا عن كل ما عداها من حقائق العقيدة والحياة ،فنسوا الله ونسوا أنفسهم وغابوا عن التطلع إلى اليوم الآخر ،واحتضنوا العظمة الفانية ،وتركوا العظمة الخالدة ،وإذا عاشت الشهوة كقيمة كبيرةٍ في حياة الإنسان ،وتحركت المتعة كهدف أصيل في الذات ،فإن ذلك سوف يصنع له آلهةً كثيرة من الخيال ،في ما يستغرقه من غيب الأوهام ،وفي ما يثيره من ضباب الأحلام .
وهكذا نسي هؤلاء الذكر ،وعاشوا الغفلة في غيبوبة الفكر وضياع الشعور ،فلم ينفتحوا على التوحيد في مواقع الوعي ،وعلى الإيمان في مطالع الشروق .وإذا نسي الناس الذكر ،التقوا بالأصنام البشرية والغيبية والحجرية ،وضلوا ضلالاً بعيداً .
{وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً} أشقياء هالكين في إسرافهم على أنفسهم بالكفر والضلال ،