حشر الكافرين وما يعبدون
الكلام السامي في قوله تعالى:{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ . . .} بضمير الغيبة ، لأنه حديث عن جلال الله تعالى وعظمته وما يكون يوم القيامة من خطاب له سبحانه ، وبذاته العلية لمن يشاء أن يكلمهم ، وهم الأبرار الذين يسعدهم رب البرية بكلامه معهم ، ونظره إليه سبحانه نظرة تقريب ، وإيناس ، وما لا يشاء لا يكلمهم ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ، وما يجري يوم القيامة في هذا الحديث هو للذين ينكرون البعث ويشكون ، فكانوا غير جديرين لأن يخاطبهم بذاته العلية لأنهم لا يكلمهم ولا ينظر إليهم ، فناسب ذلك ضمير الغياب ، وهناك قراءة بضمير المتكلم إلقاء للهيبة في نفوسهم ، وليس خطابهم إلا للوم والتأنيب ، ويجوز أن يكون الخطاب من الملائكة ونسب إليه سبحانه ، لأنه هو الذي أمر ، والذين يعبدون يشمل العقلاء الذين عبدوهم كالملائكة ، وعيسى وعزير ، وكرشنة في البرهمية ، وبوذا في البوذية ، كما يشمل الأوثان والنار ، وغيرهما مما لا يعقل .
وقد اتجه القول يوم القيامة إلى المعبودين في الدنيا من العقلاء وغيرهم ، اتجه القول إليهم:{ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء} ، الفاء للإفصاح ، لأنها تفصح عن شرط مقدر ، والسياق هكذا ، وإذا حشروا وما يعبدون يقول لهم . . . ، والسؤال أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء ، والإشارة تعود إلى الذين عبدوا غير الله من يهود ، ونصارى ووثنيين ورومان وعرب ، هذا الشطر الأول من المعادلة ، والشطر الثاني أم هم ضلوا السبيل ، والسؤال أهؤلاء الذين عبدوكم أنتم أضللتموهم بالدعوة إلى عبادتكم ، أم هم ضلوا الطريق الموصل إلى الحق بالأوهام التي غشت عقولهم والشهوات التي أفسدت نفوسهم ، والمتع الدنيوية التي ألهتهم .
ولقد أجاب المعبود بنفي الإضلال عنهم .