ومع هذا تضل العقول في معرفة الله تعالى ، وفي الخضوع له وفي عبادته ، فقال:
{ وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} .
ومع أن الله الذي خلق السموات والأرض وصاحب السلطان المطلق ، وخلق كل شيء فقدره تقديرا فجر المشركون وجحدوا واتخذوا من دونه ، من غيره ما هو دون في ذاته آلهة ، وسميت الأحجار آلهة على زعمهم لأنهم يعبدونها من دون الله سبحانه وتعالى . والضمير في{ واتخذوا} يعود على المشركين ، لأنهم حاضرون في مواجهة النبي صلى الله عليه وسلم .
ومعنى اتخذوا من دونه آلهة أنهم آثروا على عبادة الله عبادة آلهة عاجزة ، وهذا الاتخاذ إفك مبين كقوله تعالى:{ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً . . .( 17 )} [ العنكبوت] ، فالحجارة ليست آلهة ، ولكنهم خلقوا إفكا فسموها آلهة ، وقد خلقوا إفكا من ناحية تسميتها آلهة ، وهم يصنعونها بأيديهم ، فتكون الصناعة على أنها آلهة إفك ، وانتحال اسم الآلهة لها إفك أيضا .
وقابل سبحانه بين الهداية والضلال ، فالهداية عبادة الله ، والضلال عبادة هذه الأحجار ، فذكر أن الله خالق وأن هذه الآلهة لا تخلق شيئا ، وهي في ذاتها مخلوقة ، فقال:{ لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} وأعاد الضمير عليها بضمير ما يفعل مسايرة للذين يعبدونها افتراء على أنفسهم .
وفوق أن هذه الأحجار مخلوقة لا تملك ضرا ولا نفعا ، فهي لا قدرة لها على شيء ضار أو نافع ، وعبّادها اقدر منها ، وبين سبحانه وتعالى أنها على حال جامدة مستمرة لا تحيي ولا تميت ، ولا تبعث ولا تنشر ، فهي خالية من أي صفة من صفات الإله المعبود ، وقال سبحانه:{ وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} إن هذه الآلهة لا تستطيع دفع ضرر ، ولا جلب نفع ، ولذا قال سبحانه وتعالى في وصفها{ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} .
قال سبحانه:{ وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} ولم يقل لا تميت ولا تحيي ولا تبعث ، للإشارة إلى أنها ليست ميتة ولا حية في نفسها ، ولا تبعث ولا تنشر ، فهي لا تملك الحياة لنفسها ، فلا تملكها لغيرها ، فهي جامدة ليست لها حياة ، ولا تحيي ، وهي لا تسمى ميتة ، لأن الموت إنما يكون لحي ، ولا تملك نشورا ، فلا تنشر ؛ لأن البعث والنشور للأحياء الذين يحاسبون ، ويلقون في الجحيم ، أو يجزون بالنعيم .
هذه حال المشركين في عبادتهم وأوهامهم ، وقد جاءهم القرآن بالبركة الروحية والنماء المعنوي فهل اهتدوا بهديه !