وقد ذكر سبحانه من بعد ذلك عاقبة لجاجتهم ، فقال:
{ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا ( 34 )} .
موضع{ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ} النصب على الاختصاص ، وبيان عاقبة أمرهم بعد هذا الذي يثيرونه حول الحجة الكبرى للرسالة الخالدة إلى يوم القيامة ، وقد عبر سبحانه عن حشرهم يوم القيامة بصورة تجعل القارئ يدرك منها مقدار المهانة التي تلحقهم يوم الحشر ، الذي كانوا ينكرونه ويبالغون في إنكاره ، إذ إنهم يقلبون على وجوههم التي كانت لا تتجه في الدنيا إلا إلى الأسفل ، فهم يسحبون سحبا ، ويجرون جرا على وجوههم ، وهذا يشير إلى أنهم يساقون ولا يكون لهم اختيار ، ويساقون على أقبح حال ، فبدل ما كان يدعون لأنفسهم في الدنيا من سيطرة ، وسلطان يتحكمون به في رقاب العباد ، ويفتنون الناس في عقائدهم يكونون على هذه الصورة من الذل والهوان ، وأنهم يؤخذون أخذا إلى جهنم ،{ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا} الإشارة إلى المشركين محملين بهذه الصفات التي كانت لهم في الدنيا من غطرسة وكبرياء واستنكار عن الحق ولجاجة في الباطل ، وإلى ما آل إليه أمرهم من السحب على وجوههم إلى جهنم سحبا ، و( شر ) في معنى أفعل التفضيل هو ليس على بابه ، كقوله تعالى:{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ . . ( 60 )} [ المائدة] ، والمعنى من بلغ في الشر أقصى حالاته .
لقد كان المشركون يعيرون النبي صلى الله عليه وسلم على أتباعه العبيد والفقراء ، وهم في نظرهم الأراذل من قومه ، فبين سبحانه أنهم إذ يسحبون إلى النار على وجوههم مع صفاتهم السابقة شر مكانا ، أي مكانهم الحقيقي والمعنوي شر هو الشر كله ، وغيرهم كان هاديا يهدي في الدنيا ، وخير مثوبة في الآخرة ،{ وَأَضَلُّ سَبِيلًا} أي أبعد عن السبيل الحق في الدنيا والآخرة ، ففي الدنيا بإنكارهم للحق ، حتى وصلوا إلى درجة العمي ، وبالموازنة بين ما كانوا يدعون لأنفسهم ، وما آل إليه أمرهم يتبين أولاأنهم كانوا في ضلال وهم في الدنيا ، والأرذلون في زعمهم كانوا أهدى سبيلا ، ويتبين لهم ثانياأنهم في الآخرة يسحبون على وجوههم إلى جهنم ، والمتقون كانوا سائرين إلى النعيم .