{الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً} .
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار يحشرون على وجوههم إلى جهنم يوم القيامة ،وأنهم شرّ مكانًا وأضلّ سبيلاً .وبيَّن في مواضع أُخر أنهم تكبّ وجوههم في النار ويسحبون على وجوههم فيها ؛كقوله تعالى:{وَمَن جَاء بِالسَّيّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ في النَّارِ} [ النمل: 90] الآية ،وقوله تعالى:{يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ في النَّارِ} [ الأحزاب: 66] الآية ،وقوله تعالى:{يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ} [ القمر: 48] ،وبيَّن جلَّ وعلا في سورة «بني إسرائيل » أنهم يحشرون على وجوههم ،وزاد مع ذلك أنهم يحشرون عميًا وبكمًا وصمًّا ،وذكر في سورة «طه » ،أن الكافر يحشر أعمى ،قال في سورة «بني إسرائيل »:{وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [ الإسراء: 97] ،وقال في سورة «طه »:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذالِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [ طه: 124-126] الآية .
وقد بيَّنا وجه الجمع في آية «بني إسرائيل » ،وآية «طه » المذكورتين مع الآيات الدالَّة على أن الكفّار يوم القيامة يبصرون ويتكلّمون ويسمعون ؛كقوله تعالى:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} [ مريم: 38] ،وقوله تعالى:{رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} [ السجدة: 12] ،وقوله تعالى:{وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا}
[ الكهف: 53] ،في سورة «طه » ،في الكلام على قوله تعالى:{وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَى} [ طه: 124] ،وكذلك بيّنا أوجه الجمع بين الآيات المذكورة في كتابنا «دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب » ،في الكلام على آية «بني إسرائيل » المذكورة .
وصيغة التفضيل في قوله:{أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً} ،قد قدّمنا الكلام في مثلها في الكلام على قوله:{أَذالِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وَعِدَ الْمُتَّقُونَ} [ الفرقان: 15] ،والمكان محل الكينونة .والظاهر أنه يكون حسيًّا ،ومعنويًا .فالحسي ظاهر ،والمعنوي ؛كقوله تعالى:{قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ في نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ شَرُّ مَكانا} [ يوسف: 77] الآية ،والسبيل الطريق وتذكّر وتؤنّث كما تقدّم ،ومن تذكير السبيل قوله تعالى:{وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} [ الأعراف: 146] ،ومن تأنيثها قوله تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [ يوسف: 108] .