{ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا ( 51 )} .
إن الله تعالى رحيم بعباده رفيق بهم ، ولكنه خلق لهم أعينا يبصرون بها وآذانا يسمعون بها ، وقلوبا يفقهون بها ، وجعل لهم علما وإدراكا ، ومكنهم من أن يصلحوا في الأرض ولا يفسدوها ، وصلاحها بأن يقوموا بمكارم الأخلاق ، وجعل لهم بعثا ونشورا ، وحسابا وجزاء وعقابا ، ولكنه علت قدرته لا بد أن يعطيهم النذر مرشدة ، حتى لا يترددوا بأهوائهم في الضلال ، فبعث إليهم محمدا بشيرا ونذيرا ، بالنذر العامة التي تعم القرى والمدائن ، ولو شاء لجعل في كل قرية نذيرا ، والقرية المدينة العظيمة ، أو القبيل الكبير ، ولذا قال تعالى:{ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا} ، أي منذرا يخصها ، ويبين الحق بيانا كاملا ، ويبين ما يعقب الكفر من عذاب الجحيم ، وما يكون بعد الإيمان من جنات النعيم .
لوحرف امتناع لامتناع ، أي امتنع الجواب لامتناع الشرط ، أي امتنع أن يجعل الله تعالى في كل قرية نذيرا ، لامتناع مشيئته سبحانه ذلك ، وله سبحانه وتعالى في ذلك حكمة وإرادة ، وعلى أن الناس متشابهون خلقا وتكوينا وإرادة ، وسيطرة الأهواء الشيطانية على بعضهم ، والعقل على آخرين اصطفاهم الله تعالى ، وبهداه اقتدوا ، فكان الإعلام بالرسالة والنذير ، إعلاما لهم أجمعين ، ومن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ، ومن ضل فإنما يضل عليها ، وكان إنذار محمد صلى الله عليه وسلم عاما للناس أجمعين ، وكان التبليغ الكامل حقا عليه وعلى من تبعه من بعده ، كما قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ . . . ( 64 )} [ المائدة] .