التصريف في القرآن والنذر
اللام لام قسم محذوف ، وهي لتأكيد القول ، وقد للتأكيد ، والضمير يعود إلى القرآن ، وهو حاضر في نفوس المؤمنين والكافرين ، فأما المؤمنون فلأنه زاد تقواهم ، وأما الكافرون فلأنه موضوع لجاجتهم وافترائهم ، وقولهم على الله بغير الحق ، وافترائهم عليه ، وتحديهم أن يأتوا بمثله فعجزوا عن أن يأتوا ، وبدل أن يخنعوا بعد هذا العجز يمارون في الحق بعد أن يتعبوا ، وهذا على أن الضمير يعود إلى القرآن وهو حاضر في كل الآذان ، وتصريفه تحويل بيانه من باب في الإعجاز إلى باب آخر ، فمن قصص حكيم فيه عبرة لأولي الأبصار إلى بيان الشرائع وما فيها من إصلاح ، إلى الكون وما فيه من بيان لقدرة الله تعالى وإبداعه ، وكأن هذا التصريف بينهم ؛ ليبعث فيهم الذكرى ، وهذا قوله تعالى:{ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا} واذّكر افتعال من الذكر ، أي أعملوا عقولهم ليذكروه دائما ، ولكنهم كفروا ، ولم يجعلوا للذكر موضعا في قلوبهم ، ولذا قال تعالى:{ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} ، وهم المشركون ، والفاء عاطفة وتشير إلى السببية ، أي أنهم بدل أن يجعلوا القرآن سبيلا لتذكرهم وتدبرهم جعلوه سبيلا لكفرهم وبعدهم عن الحق ، وأكثر الناس هم المشركون ، وقد كانوا في مكة والكثرة الكاثرة ، والمؤمنون كانوا القلة المستضعفة ، ولكنها القوية بالحق فهو عز المؤمنين ، وذل الكافرين مهما يكن عددهم .
هذا على أن الضمير يعود إلى القرآن ، وإن الضمير يعود إلى الماء الطهور الذي ينزله الله تعالى ليحيي به موات الأرض ، ويسقي بها الأنعام التي خلقها الله تعالى وأناسي ، والعود إليه ظاهر ، لأنه أقرب مذكور ،{ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ} ، أي وزعناه بينهم ، فهو مرة يكون غيثا في الشرق ، وأخرى في الغرب ، وأحيانا في الوسط ، وأحيانا في الجنوب ، ورابعة في الشمال ، وكل يفيض عليه رزق الله تعالى ، وكل يسقيه الله تعالى بقدر ، وكان حقا عليهم أن يتذكروا هذه النعم ويشكروها ، لأنه سبحانه وتعالى خلقهم ، وكفل أرزاقهم ، ومكنهم من أن يعملوا ويقوموا على الحرث والنسل ، ويستخرجوا من الأرض خيرها ، ولكن أبى أكثر الناس إلا كفورا وجحودا .
هذا ، وإنا نميل إلى أن الضمير يعود على القرآن ، لأنه حجة النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله تعالى بشيرا ونذيرا