ولقد أشار سبحانه من بعد ذلك إلى تتمة القصة ، فقال سبحانه:
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ( 103 ) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ( 104 )} .
الإشارة إلى قصص إبراهيم ، وما جاء فيها على لسان إبراهيم من بيان فضل الربوبية ، والإذعان لحقها ، وقد جاء في البيضاوي تلك العبارات المدركة في بيان معنى ( لآية ) لحجة وعظة لمن أراد أن يستبصر بها ويعتبر ، فإنها جاءت على أنظم ترتيب وأحسن تقرير ، ويتبعه المتأمل فيها لغزارة علمه ، لما فيها من الإشارة إلى أصول العلوم الدينية والتنبيه على دلائلها ، وحسن دعوته للقوم ، وحسن مخالفته معهم وكمال إشفاقه عليهم ، وتصور الأمر في نفسه وإطلاق الوعد ، والوعيد على سبيل الحكاية ، تعريضا وإيقاظا لهم ليكون أدعى للاستماع والقبول .
ومع هذه الحجة الباهرة ، والوصايا التي تقنع بذاتها ، وتلزم بحقيقتها ، كان أكثرهم غير مؤمنين ، ولذا قال:{ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم} وإذا كان الأكثرون غير مؤمنين ، فمعنى ذلك أن المؤمنين كانوا الأقل عددا ؛ وذلك لأن الشيطان يتحكم في الكثرة ، ويعاون أهل الشر بعضهم بعضا .