وقد ذكر عليه السلام صفات رب العالمين التي أوجبت عبادته والإذعان له ، فقال:
{ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ( 78 ) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ( 79 ) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ( 80 ) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ( 81 )} .
بعد أن ذكر لهم أن العاقل يعادي عبادة الأوثان ، ولا يرضى إلا بعبادة الديان ، أخذ إبراهيم يصف ربوبية الله تعالى له في حياته من خلقه إلى موته ، ثم بعثه ، وأنها منبه دائم إلى استحقاقه وحده العبادة ، وأنه لا إله إلا هو ، وفي ذلك توجيه للعرب سلالة إبراهيم عليه السلام إلى نعمه تعالى التي تغمرهم في حياتهم اليومية ، والمستمرة ، ما داموا في قيد الحياة ، فذكر أول نعمة ، وهي الخلق والهداية ،{ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} النون مكسورة إشارة إلى أن ياء المتكلم مطوية في الكلام طيا ، والفاء لبيان أن ما بعدها مترتب على ما قبلها ، فالهداية مترتبة على الخلق والتكوين ، وقد يقول قائل ، كيف يكون ذلك ، والناس منهم شقي ضال ، وسعيد مهدي ، ولو كانت الهداية مترتبة على الخلق لكان الناس جميعا في هداية غير مقطوعة ولا ممنوعة ؟ والجواب عن ذلك إن الله تعالى خلق الناس مختارين يريدون ، ويفعلون ويتحملون تبعات أعمالهم ، إن شرا فشر ، وإن خيرا فخير ، ولكنه هيأ فيهم أسباب الهداية ودعاهم إليها ، فقال:{ ونفس وما سواها ( 7 ) فألهمها فجورها وتقواها ( 8 )} [ الشمس] وقال تعالى:{ وهديناه النجدين ( 10 )} [ البلد] نجد الخير ونجد الشر ، وإذا كان سبحانه قد خلق في النفس المسلكين بالاستعداد لهما ، فإنها إذا سلكت طريق الهداية فالهادي هو الله سبحانه وتعالى بما خلق من أسباب الهداية ، ولذا قال تعالى:{ وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [ النحل:93] ومن يضل يسلك مختارا طريق الضلالة .
وإذا كان إبراهيم الرسول خليل الله فإنه سلك طريق الهداية فالله تعالى أرسله هاديا مرشدا ، وجعله من أولي العزم من الرسل .