ويتجه إبراهيم إلى ربه راجيا داعيا ضارعا قائلا:
{ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ( 83 ) وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ( 84 ) وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ ( 85 ) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ( 86 )} .
ضرع إبراهيم إلى ربه فدعاه بما يدعو به الرجل الصالح الذي يريد أن يعاونه الله تعالى في الخط المستقيم الذي يسلكه ، فقال:{ رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} .
اتجه إلى ربه جلا جلاله مناديا بالربوبية لأنها هي التي توجه وتربي النفوس ، وتجعل الرجل ربانيا ، وأول ما طلبه هو الحكم ، وهو الحكمة الضابطة المانعة للنفوس من التردي في مهاوي الهوى ، ومنازع الشيطان ، والحكيم هو الذي يمنع نفسه ويحكم عليها بالتزام الجادة وسواء السبيل ، ولقد قال أكثم بن صيفي:الصمت حكم وقليل فاعله ، ونسب بعض الناس ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإن الرجل المستقيم مبتدئ بنفسه فيروضها على الحكمة النافعة المهذبة ، فإذا امتلأ قلبه بها اتجه اتجاها مستقيما ، ونطق بالحق ، وسلك طريق الحق ، فكان الخلق المستقيم ، وكانت المعاملات المستقيمة ، وكانت الاستقامة في كل حياته ، وقد دعا إبراهيم أن يهبه الله حكما ، يكون أولا على نفسه ، وقال:{ وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} أي وفقني لكل أسباب الكمال ، والعلو في النفس والخلق لألحق بأهل الكمال والصلاح وأعدّ في زمرة الأبرار .