والدعوة الثانية هي دعوة بالعاقبة ، وهي قوله ضارعا إلى ربه:{ وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} الآخرين أي الذين يجيئون بعده ، و{ لسان صدق} فيه إضافة اللسان للصدق أي بأنه يكون الصدق مستغرقا له ، بحيث لا يقال عنه إلا ما هو صدق ، وأن يكون اللسان صادقا دائما ، وأن يمتد الصدق منه وفيه إلى ما بعده ، وإن لسان الصدق يكون بعده يكون بأمور ، منها أن يكون ذكره حسنا صادقا من بعده ، بأن يكون أثرا محمودا من بعده ، ويكون نافعا بعد مماته كما كان نافعا في حياته ، ومنها أن تكون دعوته إلى الحق باقية من بعده يرددها الناس ، ويدعون إليها ، ومنها أن تكون له محبة ومودة بين الناس من بعده ، كما كانوا يودونه في حياته ، كما قال تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ( 96 )} [ مريم] .
هذا ، وإن النص الكريم يدل على أن حب المحمدة بين الناس ليس أمرا غير صالح ما دام يقصد إليها النفع والخير ، وعموم الإصلاح وما دام لا يتعالى ولا يستطيل على الناس .