وقد قالعز من قائلمن بعد ذلك في التعريف بالمؤمنين .
{ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ( 3 )} .
ذكر للمؤمنين أمورا ثلاثة هي:
الصفة الأولى:أنهم يقيمون الصلاة ، أي يؤدونها ، مستوفية أركانها الحسية والروحية ، والمصلى يستشعر عظمة الله تعالى وجلاله ، ويحس أنه في حضرة الله تعالى ، وذلك كله يتضمنه معنى الإقامة ؛ لأن الإقامة إقامة الشيء مستويا مستقيما لا عوج فيه ، ولا اضطراب ، بل يتجه إلى أعلى اتجاها مستقيما ، وفي ذكر إقامة الصلاة إشارة إلى المعاني الروحية في العبادات الإسلامية من صلاة وصوم وحج ، فهو ابتداء تطهير النفوس من أدرانها ، وإقامة للعلاقات الإنسانية على هذه الطهارة من أدران الأحقاد والأضغان .
والصفة الثانية:أنهم يؤتون الزكاة ، وهي الفريضة المادية الروحية ، والتي يقوم عليها التعاون الاجتماعي بين الغني والفقير ، ولذا سميت الزكاة بالماعون ، أي ما يكون به العون ، كما قال تعالى في وصف الضالين:{ فويل للمصلين ( 4 ) الذين هم عن صلاتهم ساهون ( 5 ) الذين هم يراءون ( 6 ) ويمنعون الماعون ( 7 )} [ الماعون] ، والماعون هو الزكاة التي هي أساس للتعاون الإنساني .
والصفة الثالثة:وهي الأصل للأوليين ، وهي الإيمان باليوم الآخر ، فهو لب الدين ، وهو توجيه الإنسان إلى حقيقة معناه فقال سبحانه{ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} .
بالآخرةتتعلق بالفعل يوقون ، أي يؤمنون مذعنين غير مترددين ؛ لأن العلم اليقينية يدفع الإنسان إلى عمل الخير ، ولو كان تناله المشقة منه في الحياة ، فإن ذلك يكون دافعا إلى الاستمرار مؤمنا بأن جزاءه يستقبله ، وكلما زادت المشقة فيه ، زاد الأجر ، وما عند الله خير وأبقى .
ولقوة هذه الخصلة الكريمة للمؤمنين وكونها لب الإيمان أكد الله تعالى إيمان المؤمنين باليوم الآخر بعدة مؤكدات ، أولها بتقديم الجار والمجرور ، وثانيها بالجملة الاسمية ، وذكر ضمير الفصل مرتين في صدد الجملة وآخرها .