وقد ذكر سبحانه بعد ذلك حال الذين لا يؤمنون بالآخرة ، فقال سبحانه وتعالت كلماته:
{ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ( 4 ) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ ( 5 )} .
أكد سبحانه أن الذين لا يؤمنون بالآخرة لهم في الدنيا أمران أحدهما سبب للآخر ، ولهم في الآخرة سوء العذاب ، وهم في الآخرة هم الأخسرون .
ولنتكلم مستشرفين لمعاني القرآن الكريم في الأمرين في الدنيا والآخرة ، وقبل أن نخوض فيها خوضا نقرر أنه كما أن اليقين باليوم الآخر خلة المؤمن الدافعة إلى الخير ، والتي تجعله يتحمل متاعب هذه الحياة راجيا ما وراءها فإن فقد الإيمان باليوم الآخر ينسى الإنسان نفسه فيعتقد أن هذه الحياة هي وحدها الحياة ، ولا حياة بعدها ، ويحسب أنه خلق عبثا ، ولذا قال سبحانه:{ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} ، أي حسن الله لهم أعمالهم ، فحسبوها وحدها الخير ، ولا يحسبون أن أعمالهم كلها زينة وأمر حسن ، فهم دائما ممن زين لهم أعمالهم فرأوه حسنا ، فكل أعمالهم لا ينظرون إليها إلا من وراء نفوسهم غير المستقيمة ، ولا يعترفون بإرشاد مرشد ، ولا هداية هاد ، واعظ أو زاجر ، فهم في لهو دائم عن الحق ، وإن من كانت حاله كذلك ، قد ضرب على آذانه ، فلا يسمع الحق ، ولا يهتدي بهديه ، قد أهمل عقله وتفكيره ، وما أعطاه الله تعالى من مواهب ، وفطرة مستقيمة ، ولذا قال تعالى:{ فَهُمْ يَعْمَهُونَ} الفاء لبيان أن ما بعدها مترتب على ما قبلها ، أي ترتب على هذا التزيين لكل الأعمال التي يعلمون ، ويحسبونها زينة يترتب على ذلك أنهم يعمهون .
والعمه:التردد والحيرة ، أي ترتب على أن أعمالهم زينتها لهم نفوسهم ، أن صاروا في حيرتهم لفطرتهم السليمة التي تريهم الحق حقا ، والباطل باطلا ، وتزين نفوسهم للباطل حقا ، وللحق باطلا ، فتكون الحيرة بين الفطرة الهادية والشر المتحكم ، والضلال المظلم .